الجولة الاوروبية التي قام بها الرئيس الاميركي باراك أوباما والتقى فيها نظراءه الفرنسي والبريطاني والالماني والايطالي، أكدت ما سبق لمسؤوليه ان أدلوا به حول الأزمة السورية. ففي سوريا، حسب الرئيس الاميركي وفريقه، لا ظالم ولا مظلوم ولا مستبد ولادماء. فقط مجموعة ارهابية تستهدف الولايات المتحدة ومصالحها ويجب استئصالها.
محادثات أوباما مع مضيفيه الاوروبيين تركزت حول الأزمة السورية، حسب مسؤولي البيت الابيض. الا ان مطالعة البيانات العامة والخاصة الصادرة عن الحكومة الاميركية تظهر ان عبارة “الأزمة السورية” لا تعني عند الاميركيين معالجة الوضع في سوريا، وانما تعني حصرا كيفية القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش).
وفي محاضر لقاءات أوباما، لم ترد كلمة “سوريا” منفردة او بمعزل عن كلمتي “العراق” او “داعش”. حتى التسوية السياسية، التي خصص لها مجلس الأمن الدولي قرارا حمل رقم 2254 ويخصص لها أمين عام الأمم المتحدة مبعوثا خاصا منذ اندلاعها قبل خمس سنوات، هي في تفكير أوباما وفريقه ليست غاية، بل وسيلة للقضاء على داعش فحسب.
هكذا، وقف أوباما في ختام المحادثات المزعومة حول الأزمة السورية ليعلن نيته ارسال 250 مستشارا عسكريا اميركيا الى سوريا، يضافون الى 50 من زملائهم ممن سبقوهم الى هناك قبل أشهر. اما دور هؤلاء المستشارين، فليس تدريب “المعارضة السورية المعتدلة” حسبما درجت واشنطن على القول على مدى العامين الماضيين، بل تدريب القوات الكردية — التي تصطحب معها فصائل عربية سورية من ازلامها — بهدف قطع طرق الامدادات نحو مدينة الرقة السورية، عاصمة داعش.
وجاءت محادثات أوباما الاوروبية، واعلانه ارسال تعزيزات عسكرية اميركية لرفع الضغط العسكري على داعش من الجانب السوري، فور عودته من قمة جمعته مع زعماء مجلس التعاون الخليجي في الرياض.
قبل الرياض، كان مسؤولو البيت الابيض عقدوا جلسة مع الصحافيين قالوا فيها ان حربي سوريا واليمن تشتتان الانتباه عن الحرب الرئيسية، أي الحرب ضد داعش، لذا تسعى ادارة أوباما الى التوصل الى حلول في سوريا واليمن من اجل توحيد الجهود ضد داعش.
جولتا أوباما الخليجية والاوروبية اثارتا سخط كثيرين ممن صبوا جام غضبهم على سياسته الخارجية الفاشلة، فما كان من الرئيس الاميركي الا ان عاد الى اساليبه الملتوية نفسها لناحية جعل البديل الوحيد لسياساته الفاشلة في سوريا والعراق واليمن هو اجتياح أميركي بري، وهو بديل لم يقترحه احد، لكن أوباما يعرف ان التلويح به ينجح دائما في اسكات معارضيه ووضعهم في وجه رأي عام أميركي مازال غاضبا بسبب اجتياحات أميركا البرية في العراق وافغانستان.
وأوباما ليس غافلا عن مدى التواء سياسته، اذ اثار تصريحه حول نيته ارسال 250 مستشارا عسكريا الى سوريا لقتال داعش حفيظة اميركيين كثر، تصدرتهم “صحيفة نيويورك تايمز”، التي عارضت الخطوة، وقالت في افتتاحيتها ان لا قرارات من الكونغرس ولا من مجلس الأمن تسمح لمستشارين عسكريين اميركيين بتجاوز “سيادة حكومة الجمهورية العربية السورية”.
أوباما ليس صديق العرب ولا السوريين، بل هو “يستلمهم”، حسب التعبير العامي اللبناني، اي يهزأ منهم، ويصور نفسه عاكفا على الانخراط في محادثات مع زعماء الخليج واوروبا حول سوريا، فيما هو في الواقع يحصر كل خطواته السورية في اطار الحرب على داعش، وهذه حرب تتمتع بتخويل من الأمم المتحدة والكونغرس، وتسمح لأوباما الاختباء خلفها من الأزمة السورية من دون تبديد اي رصيد سياسي.
سيتذكر التاريخ ان دماء السوريين هي على أكف كثيرين، في طليعتهم الرئيسان السوري بشار الأسد والأميركي أوباما. الاخير، زار الخليج واوروبا في جولة وداعية سيرحل بعدها الى محاكمة التاريخ. اما الأسد، فباق بفضل أوباما.
على ان رحيل الرئيس الاميركي، حتى لو من دون نظيره السوري، صار بمثابة فرحة توازي فرحة رحيل حاكم دمشق، الى ان يأتي يوم يلحق الأسد بأوباما.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها