الرئيس السابق جيمي كارتر هو من رؤساء الولايات المتحدة القلائل ممن تحولوا من عدو كثيرين من العرب الى صديقهم، بعد خروجه من الحكم. فالرئيس الذي كان يغني له المصري الراحل الشيخ امام "يا كارتر يا نذل" لدوره في هندسة ورعاية اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، أصدر كتابا هاجم فيه التمييز العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والتقى شخصيات ممنوع على الاميركيين لقائها، مثل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.
في مصر، ابتعد الجيش الحاكم عن "مركز كارتر" على الرغم من اعتقاله اميركيين آخرين من الناشطين في المنظمات غير الحكومية في البلاد. كان الجيش المصري يحتاج لموافقة المركز على الانتخابات الرئاسية المصرية، بعد انقلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الشراكة الحكومية مع "الاخوان المسلمين".
لكن كارتر وقف وقفة أخلاقية، ورفض ان يصادق على انتخابات برلمانية مصرية معروفة نتائجها سلفا، وبهدوء، أحرق العاملون في مكاتب "مركز كارتر" في القاهرة وثائقهم لتفادي توريط أي من العاملين المحليين في مواجهة مع الجيش الحاكم، واقفلوا المكاتب، وانسحبوا من مصر، وجرت الانتخابات البرلمانية المصرية وسط تشكيك عالمي في مصداقيتها.
وكما في فلسطين ومصر، كذلك في الدول الأخرى، وقف جيمي كارتر مواقف جريئة وإنسانية، باستثناء سوريا، وهو أمر محيّر فعلا.
في الشأن السوري، سارع كارتر، الذي يعاني وهو في عامه الحادي والتسعين من سرطان في رأسه، الى تدبيج مقالة حول رؤيته لحل ممكن للأزمة المندلعة منذ العام 2011. كتب كارتر انه يعرف شخصيا الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ويعرف خلفه الحالي بشار منذ ان كان الأخير طالباً في الجامعة.
يقول كارتر في وصف بشار: "لاحظت ان بشار لم يلجأ يوما الى مستشار لطلب نصيحة او معلومات". ويضيف كارتر ان ميزة بشار الأسد "هي عناده، ما يجعل من المستحيل سيكولوجياً على بشار ان يبدل رأيه، خصوصا عندما يكون تحت الضغط". ويتابع كارتر انه حتى العام 2011، لطالما حكمت عائلة الأسد سوريا، المتنوعة عرقيا ودينيا، بالإبقاء على التجانس بين هذه المجموعات.
ويعتقد كارتر ان مبادرات السلام التي قادها كوفي انان والاخضر الابراهيمي باسم الأمم المتحدة والجامعة العربية لم تثمر بسبب الخلاف حول مصير الأسد.
ويقول الرئيس الأميركي السابق انه التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في أيار (مايو) 2015 على هامش مؤتمر لمراكز الأبحاث، وسمع منه ان الحل الوحيد لإنهاء الصراع السوري هو دخول اميركا وروسيا وإيران وتركيا والسعودية في اعداد "اقتراح سلام شامل"، وان بوتين يعتقد ان كل الفصائل في سوريا، ما عدا داعش، ستقبل أي خطة تتبناها الدول الخمس هذه. ونقل كارتر اقتراح بوتين لواشنطن.
ويستعين كارتر بخطة للحل في سوريا، سبق ان قدمتها ايران من أربع نقاط، هي "وقف اطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إصلاحات دستورية وانتخابات. ويتابع كارتر انه لو تبنت الدول الخمس التي ذكرها بوتين هذه الخطة، يمكن تطبيقها من خلال مجلس الأمن.
ويختم كارتر بالقول ان التنازلات للتوصل الى حل في سوريا ليست مطلوبة من الافرقاء السوريين، بل من الدول التي تدعمهم.
هكذا، يلخص كارتر الوضع في سوريا على الشكل التالي: لأن بشار الأسد عنيد ولن يتخلى عن الحكم تحت أي ضغط، ولأن عائلة الأسد تحكم بتجانس المجموعات السورية المختلفة، ولأن روسيا وإيران توافقان على خطة من أربع نقاط برعاية الدول الخمس المعنية، يمكن إذا تنازلت بعض الدول ان يتم التوصل لحل وانهاء الحرب السورية.
طبعا، لم يكن كارتر بحاجة لزيارة موسكو لمعرفة وجهة نظر بوتين في الوضع السوري، فموقفه واضح وعلني ومبني على التمسك بالأسد. كذلك، توافق الدول الثلاث المؤيدة للمعارضة على الخطة الإيرانية، ولكن بشرط ان تترافق الخطة مع بند يحدد موعد خروج الأسد.
ربما لم يدرك كارتر ان سبب الثورة السورية أصلا هو عناد الأسد، بعكس ابيه الذي كان أكثر واقعية. عناد بشار أدى لإجباره على سحب قواته من لبنان، وأدى الى رفضه مبادرات حلول سياسية قدمتها دول معنية، منها تركيا وقطر، قبل ان يريق الأسد الدماء السورية. عناد الأسد هو المشكلة، وكارتر، بسذاجة ام خبث، يعتقد انه يمكن لتنازل وحيد يسمح ببقاء الأسد ان يؤدي الى تسوية.
حزين كارتر. هو نصير الشعوب المقهورة منذ عقود، لكن في سوريا، يخضع لعناد الأسد ويرضى ببقائه على جثث مئتي ألف سوري.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها