الإثنين 2014/07/14

آخر تحديث: 18:59 (بيروت)

أين "زعيم" الكوميديا يا "صاحب السعادة"؟

الإثنين 2014/07/14
أين "زعيم" الكوميديا يا "صاحب السعادة"؟
عادل إمام ولبلبة في مشهد من "صاحب السعادة"
increase حجم الخط decrease

لطالما ارتبطت أعمال الممثل عادل إمام، بقضايا بلده وهموم أهله، ومشاكلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحياتية. وعبّر عن ذلك ضمن قالب كوميدي، ما جعله نجماً جماهيرياً بامتياز. اختار إمام الفكاهة لتمرير رسائل سياسية كما حصل مثلاً في فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" (1979)، والذي تدور أحداثه حول التعذيب الذي كان يحصل في مصر خلال الحقبة الناصرية،  و"الارهاب والكباب" (1992) الذي يعتبر من أهم أعماله عن القضايا الشخصية وهموم المواطن، و"الارهابي" (1994) الذي ينتقد فيه خطاب الاخوان المسلمين، و"النوم في العسل" (1996) حول العجز الجنسي في أرض الكنانة.

إذن، حاول إمام تحميل نكاته وطرائفه بمشاكل المجتمع الذي ينتمي اليه. لم يترك شيئاً إلا وتكلم عنه، وساعده في ذلك كتّاب سيناريو رصدوا كل شاردة وواردة في بيئته، ليقدمها سهلة بسيطة الى المشاهد، اضافة الى المسرحيات الناجحة التي قدمها مع أبرز نجوم جيله، مثل سعيد صالح ويونس شلبي.

حاول "الواد سيد الشغال"، منذ انطلاقته الفنية، التركيز على السينما والمسرح، وأهمل التلفزيون نحو 33 سنة، ليعود اليه وبقوة. قدم في أواخر سبعينات القرن العشرين "دموع في عيون وقحة" مع معالي زايد ومحمود الجندي وصلاح قابيل، وهو من أوائل المسلسلات التي كانت بتيمة الجواسيس وأنشطة الاستخبارات العامة، ودورهم في حرب أكتوبر. وغاب صاحب "البيجاما الحمراء" (مسرحية قدمها مع عبدالمنعم مدبولي وأبو بكر عزت)، نحو ثلاثة عقود عن الدراما، ليعود اليها قبل ثلاث سنوات، بعدما اكتشف أنها منجم ذهب خصوصاً في الموسم الرمضاني.

في العام 2012، قدّم مسلسل "فرقة ناجي عطالله"، وعرض له الموسم الماضي "العراف"، ويعرض له حالياً "صاحب السعادة" الذي تعاون فيه مع المؤلف يوسف المعاطي وابنه المخرج رامي امام وهما تعاونا معه في العملين السابقين. وفي إطار كوميدي، تدور أحداث "صاحب السعادة" حول حياة بهجت أبو الخير (عادل امام) بعد تقاعده من عمله، مع زوجته وأبنائه وأحفاده، وما يلاقيه من مشاكل بسبب غيرة الزوجة الشديدة عليه. ومن أهم القضايا التي يعالجها المسلسل، هي مدى الاختلاف بين الأجيال حيث تحدث مغامرات عدة بين بهجت وأحفاده الصغار في إطار كوميدي. غير أن المتابع لأعمال إمام، يدرك مدى هشاشة المسلسل، اذ إن الكوميديا فيه مصطنعة و"ثقيلة الدم" ومكررة، وتفتقد الى الابتكار، والحيوية في أداء امام، صاحب الأربعة وسبعين عاماً.

لم تعد نكتة "الزعيم" في سنواته الأخيرة عفوية، بل يبدو أنها صارت عبئاً عليه. هو الهادف دوماً الى إضحاك الجمهور، لكنه يخطئ منذ مطلع القرن الحادي والعشرين في اختيار من يتعامل معهم، وينطبق هذا الكلام على أعماله السينمائية التي ظهرت في هذه الحقبة مثل "عريس من جهة أمنية" و"التجربة الدنماركية" و"مرجان". ويصرّ إمام، في ثالث مواسمه الدرامية، على التعامل مع يوسف المعاطي في كتابة نصوص أعماله. علماً ان "قفشات" هذا الرجل بات المُشاهد يتوقعها، مع الاعتماد على إخراج بسيط، والاكثار من مظاهر البهرجة والفخامة بالملابس ومواقع التصوير. كأن عادل إمام لم يدرك عادل أن الكوميديا في مصر تغيرت كثيراً، وأن ثمة نجوماً باتوا ينافسونه وبقوة مثل محمد سعد وأحمد حلمي، الوحيد الذي يعتمد على الكوميديا السوداء، والمواقف الذكية لاضحاك المشاهد.

اعتماد امام على شهرته هو بيضة القبان، فمن الصعب أن يفهم المشاهد العادي أو البسيط، أن نجمهم المفضل لم يعد لديه ما يقوله، وأن اطلالته عليهم، هدفها تجاري أو مادي لا فرق. المواضيع التي يختارها تبقى بلا حبكة درامية واضحة، وكونه البطل المطلق في العمل، لا يفتح ذلك المجال للمشاركين معه في إبراز مواهبهم. واللافت أن الفنان أحمد عيد، الذي يظهر في دور معلم للغة العربية في المسلسل، بدا وأنه بذل جهداً تمثيلياً واضحاً في المشاهد التي قدمها، خصوصاً في تعابير وجهه، واتقانه للغة الصعيد. ولاخفاء بعض عيوب العمل، يستعين إمام بنجوم شباب، لإضفاء طابع العصرنة عليه. كما يبدو واضحاً أن "عنتر شايل سيفه" يعمل بجهد لترويج ابنه محمد، فهو شاركه في آخر ثلاث أعمال قدمها، ومنحه أدواراً تُذكّر بشباب إمام أيام السبعينات، علماً أن قدراته التمثيلية ليست خارقة، وهو يتقمص دائماً شخصية والده.

واللافت أيضاً، أن أجر عادل إمام، ما زال الأعلى بين زملائه في المهنة، إذ يصل إلى 33 مليون جنيه. و"صاحب السعادة" هو الثاني في الكلفة الإنتاجية، إذ فاقت ميزانيته 80 مليون جنيه. لكن يلحظ مع استمرار عرض العمل، تقلّص المواقف الكوميدية بشكل ملحوظ، بعدما كانت أكثر كثافة في الحلقات الأولى، ما يدل على ضغف النص وعدم القدرة على الإرتجال.

شهدت الفترة التي غاب فيها إمام عن التلفزيون، تطوراً لافتاً على صعيد الدراما والاخراج والانتاج والديكور والنص. وغاصت بعض الأعمال في مشاكل إجتماعية وسياسية وإقتصادية وعشائرية، وكانت إنعكاساً للواقع العربي. كما شهدت تلك الفترة جرأة في طرح المواضيع، وإنتقاد الأنظمة العربية، والدخول في أدق التفاصيل العائلية، من دون أن ننسى طبعاً فورة الدراما السورية، وتقديمها أعمالاً تحاكي البيئة الشامية القديمة. وتخطت الأعمال المنتجة، في تلك الفترة، الموضوعات والقضايا الاجتماعية الى السير الذاتية لشخصيات مهمة، وسير بعض الصحابة، والغوص في روايات تاريخية مع الاستعانة بمؤثرات خاصة وخبراء أجانب لتقديم أعمال ضخمة. كما شهدت الفترة التي غاب عنها "الزعيم" فورة في الدبلجة من المكسيك وتركيا وايران والهند، ما ساعد الدراما العربية في توسيع دائرة خياراتها الفنية وتعرّفها الى صناعة، باتت متطورة جداً في الخارج.

أهمل إمام ذلك كله، ولعب على نفسيّة المشاهد، مراهناً على نجوميته لنجاح مسلسله، وعلى أفكار بسيطة مكررة في غالبية أفلامه السابقة. لكن يبقى السؤال: من يحدد نجاح الكوميديا التي يقدمها: الايرادات، أم أقلام النقاد؟

increase حجم الخط decrease