السبت 2024/03/09

آخر تحديث: 18:38 (بيروت)

تسويق الإرهاب على الشاشة

السبت 2024/03/09
تسويق الإرهاب على الشاشة
ميشال سماحة على الشاشة..رسالة أبعد من "السكوب" و"الجدل"
increase حجم الخط decrease
تبدو الانتقادات لاستضافة الوزير الأسبق ميشال سماحة عبر الشاشة، محقّة. فالرجل الذي دِينَ بنقل المتفجرات من سوريا الى لبنان، وقضى سنوات في السجن لتنفيذ محكوميته، لا تزال صورته ماثلة أمام اللبنانيين حين كان يبدي استعداداً لنقل المتفجرات لرجل ينوي تنفيذ مخطط ارهابي في شمال لبنان.

أما الاعلامي الذي استضافه، بوصفه "مثيراً للجدل"، فمنحه فرصة اعلامية للحديث عن "مخطط كوني" ضده وضد النظام السوري، فسقط في فخّ استخدام المدانين للاعلام لتلميع صورة مُدان قضائياً، لم يستطع امام القضاء إنكار التهم المنسوبة اليه.
 

والنقاش هنا، لا يتصل بطبيعة الوسيلة الاعلامية التي ظهر عبرها. فالاعلام الحديث عبر المنصات، في النهاية، هو إعلام جماهيري يماثل الى حد كبير الشاشات التلفزيونية. وسماحة، بهذا المعنى، وجد من يفكّ عزلته، ويخرجه من صمته، ذلك أنه أطلّ كما لو كان رجلاً بلا إدانات، ينتظر من يطرح عليه الاسئلة لقيادة المقابلة باتجاهه، والى حيث تتحقق مفاعيل هذا العبور من عتمة ما بعد السجن، الى جمهور ينقسم، ولا يهم هنا ما إذا كان هناك من سيتعاطف، أو يشتم، أو يهاجم، أو يرحب... طالما أن الهدف تحقق، وعاد الى حيثما يريد.

في الواقع، لم يفتتح سماحة صفحة في منصة تواصل إجتماعي للإدلاء بمواقف. ذلك الأمر مرهون بالمنصات وسياساتها. ظهر سماحة، في إطلالته الأولى، كمن يطوي صفحة الماضي. مهلاً، لنتذكر: أليس سماحة من خرج في آب 2022 من السجن بعد الحكم عليه بسجن 13 سنة مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية بتهمة نقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان، بغرض استهداف شخصيات لبنانية ورجال دين؟ كيف لمحكوم جُرّد من حقوقه المدنية، ومُنع من مزاولة أنشطة سياسية، بحكم قضائي لا لبس فيه، أن ينطلق بالسياسة؟ وهل قال ما يغاير أقواله أمام القضاء الذي لم يقتنع بدفوعه، فدانه؟ لماذا إذاً فُتح الملف أمام محكمة رأي عام؟


لكن هذه الوقائع، لم تحُل دون ذهاب رواد ضاهر نحو إجراء المقابلة ضمن برنامج "بالمباشر" عبر "يوتيوب". تم الترويج للمقابلة قبل بثها وفق حملة دعائية ومحاولة لتقديم المقابلة على إنجاز صحافي وسكوب إعلامي. أثارت المقابلة جدلاً واسعاً لدى مختلف الفئات في لبنان، وتعرضت لإنتقادات واسعة طاولت اصل الإستضافة، كما بدت الأسهم موجّهة لمن أجرى المقابلة وللمنصة نفسها أكثر من إنتقاد سماحة، ذلك أن الـخير "مُجرم ومحكوم"، لذلك كان السخط على من فتح الكاميرا والميكروفون للإستماع إليه.
 
لا تفرق أدبيات المهنة، بين ما إذا كان المحاور شديداً في أسئلته تجاه مدان بالتخطيط لعمل ارهابي، أم متعاطفاً معه. فمجرد أن يجري أحد الصحافيين مقابلة مع محكوم بالجُرم، ويعامله على أنه شخص يساهم في النقاش ويستحق الإستماع إليه، يرتفع موقع المُدان إلى مستوى أي سياسي شرعي يستحق الاستماع الى أقواله. أما في السياسة، فمجرد خرق العزلة، وفتح نافذة لعرض الأقوال التي سبق أن قيلت في المحكمة، ستقسم الجمهور. وهنا تبرز الإشكالية حول الإلتزام بمبادئ المهنة وأخلاقيات الصحافي. 


وفق الأعراف الإعلامية، لا يُفتح الهواء لمُدان بالاغتصاب، ولا لمُدان في ملفات إرهابية. لكن رواد ضاهر تجاوز أخلاقيات مهنته وأعرافها، كما أنّه لم يراعِ جراح الناس وضحايا أعمال سماحة، أو نواياه ومخططاته التي أقرّ بها، وأعاد فتح هذه القضية التي قد تُسبب تداعياتٍ وفتناً لا تُحمل عقباها.

والحال أن تجاوز كل هذه الأصول والأعراف، من الصعب النظر إليه على أنه هادف لتحقيق سبق صحافي.. من حق المتأذين من خطة سماحة السؤال عن أي دور مطلوب منه لتعويم هذه الشخصية ومحاولة تبرئتها وتقديمها بصورة البطل؟ 

في المبدأ، تعد الحرية الاعلامية مرتكزاً أساسياً في المهنة، الأمر الذي يُمكّن  الصحافي من إيصال رسالته الى الجمهور، لكن هذه الحرية لا تعني مُطلقاً التحلّل من القيم الاخلاقية والمجتمعية أو الخروج عليها، بل إن الحرية هي وسيلة للتعبير عن الرؤى والتوجهات التي تخدم تطور المجتمع ونهوضه.

إذاً، وفي حالة المقابلة الأخيرة، نحن لسنا أمام حرية إعلامية، بل أمام تجاوز لكل القيم الإخلاقية والمجتمعية المنصوصة والتي تفرض على الصحافي الإلتزام بها. وبعيداً من إنتهاكات قواعد المهنة بإجراء المقابلة مع مُدان قضائياً، أي رسالة تحاول المنصة إرسالها الى اللبنانيين بإظهار رموز سابقة للنظام الأمني اللبناني السوري المشترك، في موقع الضحية والتآمر؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها