الثلاثاء 2024/02/20

آخر تحديث: 20:29 (بيروت)

الكاميرا في الميدان.. والصحافي في حضرة السياسي

الثلاثاء 2024/02/20
الكاميرا في الميدان.. والصحافي في حضرة السياسي
increase حجم الخط decrease
فيما كانت الأخبار العاجلة تصل تباعاً من النبطية، مرفقة بصور التقطتها "كاميرا" مجهولة تبث في مواقع التواصل أو تدفع الأنباء الى مجموعات "واتسآب"، كان بعض الصحافيين يجالسون السياسيين، بعضهم يطرح اسئلة، وبعضهم الآخر يتابع المستجدات السياسية. 

كان المشهد لافتاً. في تلك "المجزرة" التي تلت مجزرة أخرى في الصوانة، تأخر بعض الإعلام المحلي كثيراً ليصل الى المكان.. ربما لساعات، أو في اليوم التالي.. أثارت تلك القضية أسئلة عن دور الاعلام، وأخلاقيات المهنة، وهي مفاهيم خاضعة للنقاش والتبدل، وربما لحسابات مرتبطة بوسائل الاعلام نفسها. لكنها لا تخفي تذكيراً، بالوقائع وأسس العمل الاعلامي، خصوصاً في ظل اتساع رقعة المواجهة حيث طاولت الصواريخ الإسرائيلية مدينة النبطية لتسجل مجزرة جديدة تُضاف إلى السجل الإجرامي الصهيوني. وكالعادة، الأهداف من المدنيين كما في غزة والضفة وفلسطين كلها.

في فلسطين، كان واضحاً تأثير التغطيات التي رافقت العدوان على غزّة منذ الأيام الأولى، وما زالت، في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، تحديداً بعدما عمل الإحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه على نشر الدعاية الإسرائيلية الساعية إلى تشويه صورة المقاومة. لقد ساهمت التغطيات المستمرة ونقل الحدث عبر شاشات الفضائيات والمنصّات الرقمية في تشكيل رأي عام ضاغط من جهة وفضح زيف الرواية الإسرائيلية من جهة أخرى وتوثيق جرائم الإحتلال.

تمثّلت أهمية مهام وسائل الإعلام العربية في فضح وتوثيق الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يمارسها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في غزة، مقابل ما كان يمارسه بعض الإعلام الغربي من تعتيم ممنهج، لا سيما في المرحلة الأولى من الحرب. 

وفي هذا السياق، نعود بالذاكرة إلى ما إرتبكه الإحتلال الإسرائيلي من جرائم حرب في جنوب لبنان، ففي العام 1996 خلال عدوان نيسان "عناقيد الغضب" لعب الإعلام المحلي اللبناني دوراً كبيراً في توثيق مجزرة قانا التي إنعكست تداعياتها عربياً ودولياً آنذاك. أما اليوم يبدو الأمر مختلفاً في لبنان، فما كان لافتاً بعد مجزرة النبطية، وتحديداً على صعيد الإعلام المحلي، غياب العديد من وسائل الإعلام اللبنانية عن تغطية ما يجري في الجنوب، لا بل أكثر من ذلك إمتلأت وسائل التواصل الاجتماعي في يوم المجزرة بصور لإعلاميين وإعلامييات مع رموز المنظومة السياسية اللبنانية في تجاهل كامل لما حدث في الجنوب! 

إذا طُرح سؤال على محرك البحث: "ما هي الصحافة؟"، فقد يحصل الباحث على إجابات متنوعة، لكن من المرجح أن تتفق كلها على شيء واحد، وهو أنها أنها تنطوي على جمع ومعالجة ونشر المعلومات من أجل المصلحة العامة، ولهذا السبب فهي مهنة تتميز بحسّ عال من المسؤولية الاجتماعية تجاه عامة الناس والحكم الرشيد والديموقراطية.

إن دور الصحافة، إذن، هو أن تعكس الواقع بأكبر قدر ممكن من الوضوح والدقة والموضوعية، واستكشاف القضايا ذات الصلة والاهتمام العام ومحاسبة صنّاع القرار، بما يساعد في الحفاظ على ثقة الجمهور ومشاركته في المؤسسات التي تحكم حياته.

وتشكل الأخلاق الإعلامية أحد الأسس الرئيسية لهذه المهنة، ونزاهة الإعلامي أمر رئيسي في تحديد هدف الصحافة التي هي أساساً خدمة عامة تسعى إلى خير المجتمع. لذلك ففي كل مرة لا يضع الصحافي نصب عينيه المصلحة العامة لدى معالجة موضوع ما، أو في كل مرة يسعى إلى إستخدام موقعه ومهنيته لأهداف شخصية، أو حين يغض النظر عن أمور وقضايا تضر بالمجتمع أو يسكت عنها لدوافع لا تبررها المصلحة العامة، أو حين يُسخّر قلمه أو صوته في خدمة أفراد وساسة بدافع إغراءات متنوعة.. في كل هذه الحالات يكون الصحافي خارج رسالة الصحافة. 

ومن جانب آخر، تُشكّل القضايا الإنسانية وتغطية معاناة المدنيين في الحروب والنزاعات، جزءاً لا يتجزأ من مهمة الصحافة في نقل هذا الواقع للعالم.

ترتبط دروس أسس الصحافة الأولى، بالأخلاق والمبادئ والإنسانية قبل أن تكون الصحافة مهنة. مما لا شك فيه أن كل فرد حُر في التعبير عن رأيه وولائه السياسي، لكن أن يحمل صحافي رسالة الصحافة ويتغنّى بها ويخاطب الجمهور على أنه صحافي حريص على الخبر ودقة الخبر والموضوعية، وأن يكون في الوقت عينه يحمل أولوية محادثة السياسيين أو محاورتهم، فهذا يتنافى مع المهنة ومبادئها! 

كيف يمكن أن نطلق اصطلاح صحافي على من تجاهل ذلك الطفل الذي قتلته الآلة الإسرائيلية المجرمة، وتلك الفتاة الشابة، وذلك الأب؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها