روسيا، في هذا الدور، لم تخلق بيئة عالمية ترضخ لطموحاتها العالمية فحسب، على قاعدة "الأمر الواقع"، بل ساهمت في خلق بيئة حاضنة للأسد، وترميم للصورة النمطية عنه التي اجتاحت العالم خلال السنوات الخمس الماضية، بوصفه قاتلاً لشعبه.
والحال ان التدخل العسكري والسياسي الروسي في سوريا، لم يحسم الحرب لصالح الأسد، كما تقول المعارضة ولا تزال، كما أنه لم يقضِ على فصائل المعارضة التي تقاتله، كما يقول مقاتلون وجدوا أنفسهم خارج الصفقات الدولية الاخيرة. هذا التدخل، حسم الموقف الدولي لصالح روسيا بوصفها "عراب المصالحات" السورية، بدليل استجابة أطراف معارضة لمبادراتها، ولصالح الأسد الذي تنفس هواء جديداً من رئتين اعلاميتين بريطانية واميركية أخيراً.
فالاستراتيجية الأولى التي اتبعتها روسيا، هي عسكرية – سياسية، قلّصت الجهد العسكري ضد الأسد، عبر إقصاء أطراف عسكرية تمثل خطراً عليه، وتثبيته في المدن عبر اتفاقات سياسية مع تركيا أو الولايات المتحدة الأميركية الفاعلتين في الشمال والجنوب. تلك الاتفاقات، استدرجت المعارضة للتعاون، ما يتيح للنظام تركيز جهده ضد التطرف الذي يمثله "داعش" في الشمال والشرق، وتنظيم "النصرة" الرافض للتسويات في ريف دمشق والشمال.
الاستراتيجية الثانية إعلامية، كرست صورة النظام بوصفه محارباً للتطرف الاسلامي، الذي يشكل خطراً على الغرب، واختبره الغرب في عمليات إرهابية في وقت سابق. وما كان ليتعزز دور الأسد هنا من دون اتفاقات قلصت الاستنزاف العسكري له، بما يتيح له التفرغ لـ"داعش".
من هنا، انتقلت الكاميرا التلفزيونية الغربية من الشمال، حيث قضى الأطراف تحت البراميل المتفجرة، الى وسط البلاد وشرقها. عدسة "سي أن أن"، الى جانب عدسات بريطانية، عززت صورته كجيش يقاتل "الإرهاب"، عبر تقارير صوّرت في البادية السورية ضد التنظيم. وعزز الصورة، اعتقاد المتأثرين بالدعاية الروسية التي رممت صورة الأسد، وكرسته كمحارب ضد الإرهاب. الصورتان تمثلان الآن مشهداً واحداً اكتملت فصوله: الأسد يحارب الإرهاب، ومن يعارضه سيكون جزءاً من المجموعات الارهابية(!). كما تفيد الصورة بأن الأسد بات مدافعاً عن الغرب، بقتاله الإرهاب على أبواب أوروبا المتوسطية.
ترميم صورة الأسد شعبياً، يكتمل بإغراء روسي لدول العالم بالفوائد الاقتصادية المترتبة عن إعادة الاعمار. ومع أن العقود المحتملة والتي يمكن للشركات الغربية أن تحصل على حصة منها، قد تتجاوز المقدّر لها في ظل بقاء الأسد، إلا أن الضغوط الشعبية التي نجحت روسيا في تكريسها، ستدفع العالم مجبراً الى التطبيع مع الأسد.
في لحظة تصاعد اليمين في العالم، ينقل الأسد قدميه من رقعة اليسار الى اليمين، طالما أن المخاوف العالمية تحتضنه، بعدما كرستها روسيا في قلب المشهد الأوروبي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها