والمحيسني في مجمل خطابه، لا يرى في البلاد ثورة من أجل الديموقراطية كما هي عليه، بل يرى البلاد ساحة للجهاد الإسلامي من أجل إعلاء كلمة الأمة الإسلامية وإحلال الخلافة المنتظرة والقضاء على الكفر، وغيرها من المصطلحات الدينية التي تتكرر في خطابه. وهو لا يدخر وسيلة لتحقيق تلك الغاية، حتى لو اقتضى الأمر ادعاء النبوة أو استخدام الدين نفسه بطريقة مشوهة "من أجل خدمة الدين"، علماً أنه يشغل منصب القاضي العام لجيش الفتح، ويدير مركز "دعاة الجهاد" في مدينة إدلب شمال البلاد.
ولطالما عمدت البروباغندا إلى استخدام الدين كعنصر فعال يحدث مزيداً من التأثير في الجمهور المستهدف، خصوصاً أن الأصل الديني للخطاب الدعائي يستوجب الطاعة المطلقة له، من دون نقاش أو جدال، لأن الاعتراض عليه يصبح بمثابة الاعتراض على أمر الله، لدرجة يصبح معها المصدر الدعائي متحدثاً باسم الله على الأرض، في نوع مخيف من جنون العظمة، قد يبلغ مرحلة نزول "الوحي" بنص ديني جديد كما هي حالة المحيسني.
لا يتعلق الأمر هنا بالدين الإسلامي فقط، بل يتكرر في معظم الديانات عندما يخلط السياسيون الدين بخطاباتهم. ويبرز الرئيس المصري السابق أنور السادات الذي أطلق على نفسه اسم "الرئيس المؤمن"، والدعاية الإسرائيلية في المجمل التي تستند إلى التوراة، وحتى اللقاءات الإعلامية لرموز النظام السوري التي يحاولون بها الظهور أمام جمهوره بصورة دينية محافظة، عبر تكرار آيات قرانية "سمحة"، وصولاً إلى اختراع نصوص دينية كمثل حالة المحيسني، أو الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عندما قال أن الله طلب منه شن الحرب على العراق في العام 2003.
وروى المحيسني في تغريدات له عبر صفحته الشخصية في "تويتر" عن ورود آية جديدة في القرآن نزلت عليه كالوحي في منامه: "رأيت في المنام أنّي جالس مع بعض الأحبة وفي يدي مصحف أقرأ عليهم بتلاوة وترتيل، وأثناء قراءتي نزلت آية جديدة مكتوبة في آخر الصفحة، ولو ترى إذا قصفناهم ولم يكن لهم من دون الله من ولي ولا نصير ذلك بأنهم سبوا الله ورسوله"، متابعاً: "صرنا نبكي من هذه الآية، وأخرجت القلم ووضعت تحتها خط، وإذا بجانبي رجل يفسر الآية ويقول عاقب الله أهل الشام بالطيران لأنهم سبوا الله ورسوله، فقلت له كيف؟ قال تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال، هذا أن دعوا للرحمن ولدا، ثم فتحت المصحف فوجدت تلك الآية مسحت".
ورغم أنه سحب تغريداته بسرعة، إلا أن الجدل لم يتوقف عبر مواقع التواصل،
فاتّهم البعض المحيسني بأنه يدعي النبوة مع تشبيهه بمسيلمة الكذاب، فيما
فضل آخرون نقل "الآيات الجديدة" مع الإشارة إلى وضعها من قبل المحيسني من أجل "التبرير والتأويل" وفق غاياته الشخصية، علماً أن تعليقات كثيرة لم تتوقف عند نقطة وضع الآيات مثلما
توقفت عند مضمونها، المتعلق بحرية التعبير والاعتقاد بالدرجة الأولى، معتبرين أن المحيسني يريد إكراه الناس على الإيمان من منظوره الشخصي ومكررين الآية القرآنية: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، فيما
وجه آخرون انتقادات للمحيسني والتيار السلفي الجهادي في المجمل، على معاملتهم السوريين كأنهم أصل للكفر "رغم أن المجتمع السوري معروف بوسطيته وحفاظه الديني".
يذكر أن مركز "دعاة الجهاد"، هو أحد أشهر مراكز تجنيد القاصرين وتدريبهم على القتال في الشمال السوري، حيث يستقبل الفتيان في عمر 14 سنة لتدريبهم على استخدام السلاح وركوب الخيل بغرض نصرة الدين في معسكر "أشبال الفاروق"، بشكل يشابه إلى حد كبير معسكرات "أشبال الخلافة" التابعة لتنظيم "داعش"، إلى جانب الدورات الشرعية التي يقيمها بانتظام منذ إنشائه مطلع العام 2013، كما تتبع له مجموعة من وسائل الإعلام أبرزها إذاعة "صدى الجهاد" التي تبث في الشمال السوري.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها