الجمعة 2023/10/13

آخر تحديث: 00:20 (بيروت)

إنه السحر يا ميرون!

الجمعة 2023/10/13
إنه السحر يا ميرون!
من رسوم أمل كعوش
increase حجم الخط decrease
منذ مدّة لم أرسم. كنت في السابق لا أفكّر مرتين قبل أن أعمل على رسم جديد، كلّما عبَرت في بالي فكرة، أو كلّما شهد البلد أو العالم حدثاً جللاً. ها هي غزّة، مجدداً، تهتزّ بفعل القصف الصهيوني اللئيم. وها أنا أتسمّر أمام شاشة الهاتف، أهاتف أصدقائي في القطاع المحاصر وقلبي يصلّي ألا تكون تلك المرّة الأخيرة. لكنّي لا أرسم.

صحوت اليوم ولدي رغبة بأن أبحث عن رسومي السابقة الخاصة بغزّة. أدخل مدوّنتي القديمة وأغوص في أرشيف يجمع قرابة خمسة عشر عاماً من الرسوم المتفرّقة، معظمها نشر في صفحات "شباب السفير". في رأس صفحة المدوّنة شريط، يحتلّه من اليمين تصميم يضمّ مشهداً من القرية ورسماُ لفتاة بجديلتين، وإلى اليسار عنوان المدوّنة "ميرون/ دفتر الرسم"... ثم تقديم بالعربية والإنكليزية:
ميرون هي قريتي في شمال فلسطين، قضاء صفد
ميرون هو أيضاً اسم الفتاة ذات الجديلتين في هذه المدونة

في العام 2004 أنشأت مدوّنتي وأطلقت عليها اسم "ميرون" رغبة منّي في نشر اسم قريتنا الجليليّة الصغيرة على أوسع نطاق. كنت أكتب وأرسم في تلك المدوّنة، قبل أن تولد في دفاتري شخصية الفتاة مظللة الملامح ذات الجديلتين التي ترافق القمر أينما كان. تلقائياً، حملت تلك الفتاة اسم ميرون، صارت عنواناً لي، ورأى البعض فيها "حنظلة" الفتاة. في تلك الفترة، وما قبل اندلاع عالم السوشال ميديا، كان عالم التدوين والمنتديات الاجتماعية مدخلاً لصداقات في فلسطين ما بين غزة والضفة وأراضي 48. كالصديق أمجد غنام من رام الله، الذي صنع تصميم مدونة ميرون التعريفي. وكإبنة عكا، رشا حلوة، صاحبة مدوّنة "زغرودة" التي ما زلت أذكر رسالتها الأولى لي بكل ما فيها من حماسة وعاطفة. أمّا غزّة فقد عرّفتني بفنّانين كثر، منهم الصديق الموسيقي محمد الهبّاش الذي يحضر في السوشال ميديا عازفاً على عوده برفقة ابنتيه، ريما على آلة القانون ومريم على البيانو.

في غزّة أيضاً، العام 2016، ولدت "ميرون" لصديقيَّ نغم وأحمد. ميرون غزة، كانت أول ابنة لأصدقاء شخصيين لي، تحمل اسم قريتنا، لتتبعها في العام نفسه ميرون في رام الله للصديقين أغصان ومهنّد. ثم ولدت العام 2021 ميرونة أخرى في القدس لصديقيّ روان وأشرف.

أتواصل مع ميرون في غزة، ذات السنوات السبع. تعشق الرسم ورسومها عبر السنوات تصلني حتى تاريخه. أمس، وصلني منها عبر الهاتف رسم جديد، وعبّرت لي عن دهشتها كانّما لا تصدّق قدرتها على الإبداع بخطوط بسيطة. ميرون تخبرني أنها تحبّ اللغة الإنكليزية، وتسألني مراراً عن الدمية "موسان" التي رافقتني في فيديوهاتي في انستغرام. "هل موسان حقيقي؟ كيف بيحكي لحاله؟". تقول لها نغم: "بكرا لما تتحرر فلسطين بيجي موسان وبتتعرفي عليه". وأقول لها: "إنه السحر يا ميرون!". تستغرب، فأشرح لها: "لمّا بترسمي مش بتحسّي بشعور كتير حلو وبتصيري مبسوطة كتير؟ هاد السحر بيكون...".

المقاومون يقومون باقتحام المزيد من المستوطنات والاشتباك مع العدو. الطائرات الاسرائيلية تمارس بطشها بشكل أكبر على المدنيين الأبرياء. غزّة تشهد إبادة جماعية أخرى. أجمع رسومي القديمة: غزّة الجميلة تصدّر القرنفل الأحمر للعالم، غزّة كوكب بعيد لا أحد يسمع صوته، غزّة تجلس في حضن القلب، طفل من غزّة يسأله الصحافي "إذا صارلك فرصة تكبر شو بتحب تكون؟". أفكّر برسوم صغيرتي ميرون في غزّة. أفكّر بأغنيات ريما ومريم، وبيوم آت يجمعنا لنغنّي ونرسم سوياً تحت سماء فلسطينية حرّة. في مشهد من ذاكرة قريبة، ميرون غزة وميرون رام الله تتواصلان عبر أهلهما. يصلني تسجيل صوتي عبر الواتسآب: "ميرون أنا اسمي ميرون متلك! تعالي عنّا على غزة. بنلعب بالألعاب وبنروح عالبحر".
إنّه السحر يا ميرون. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها