الأربعاء 2023/09/06

آخر تحديث: 17:09 (بيروت)

زواجي المناسب للجميع.. باستثنائي!

الأربعاء 2023/09/06
زواجي المناسب للجميع.. باستثنائي!
"زفاف ريفي" للفنان السوري ممدوح قشلان
increase حجم الخط decrease
لم تكن اهتماماتي كاهتمامات قريناتي في بداية المراهقة اللواتي زُرعت في أذهانهنَّ فكرة أن السعادة تكمن في الزواج وحفلة الزفاف والفستان الأبيض والصور التذكارية. بل كان اهتمامي هو التفوق في دراستي ليكون والداي فخورَين بي.

لم أستغرق وقتاً طويلاً حتى اجتاحتني طموحات قريناتي عند أول حب صادفتُه. مع مرور الوقت، والنضج، بدأت أدرك أكثر معنى الزواج في مجتمعنا، واليوم أنا في الثلاثين من عمري وما زلت عزباء تخاف الزواج.

عندما قاربتُ إنهاء دراستي وأتخرج في الجامعة، كانت أمي تقول لي بين الحين والآخر كلمات مثل: "هيئي نفسك بعد الجامعة لتصبحي أُمَّاً، تعلّمي طهي المقلوبة لأنك ستطهينها في منزلك يوماً ما، عليكِ تحمُّل المسؤولية من هنَّ في مثل عمرك لديهنَّ عائلة وأطفال". تلك العبارات، بحسب اعتقادها، ستحفزني على الزواج، لكنها فعلت العكس، وبشكل خاص بعدما شاهدتُ تجارب زواج بعض قريباتي وصديقاتي. ربما هي تجارب ناجحة في نظرهن ونظر المجتمع، لكنها لم تكن العلاقات التي أرسمها في مخيلتي وليست المستقبل الذي أطمح لتكوينه.

بعدما زادت سنيني قليلاً وتخرجت من الجامعة، ازدادت حدة تلك العبارات، بل كانت قاسية وجارحة أكثر، وفيها تنمر مقصود وغير مقصود، "عانس، لست صغيرة بعد الآن، يجب ألا يفوتك القطار، ألله يفتح نصيبك"، وغيرها الكثير من الألفاظ اللاذعة التي لم تنجح إلا في أن تزيد عنادي ونفوري من الزواج.

"ماذا نفعهن التعليم؟"
في إحدى الزيارات العائلية لأقربائنا، ذهبت صحبة أمي وأختي طالبين يد ابنتهم الصغرى عروساً لأخي، وفي زحمة الأحاديث تطرقنا لحديث الزواج والقسمة والنصيب. تقول السيدة: "ماذا نفعهن التعليم" متحدثةً عن بناتها، "أشعر بالندم لأني علمتهن ولم أزوجهن، شهاداتهن المعلقة على الحيطان تساوي عندي قيمة حذاء مهترئ".

في بلدي حرب طاحنة ومستعرة، نيرانها تلذع حتى من تحت الرماد منذ 12 سنة، شاهدت فيها ما يكفي من علاقات الزواج الفاشلة التي تثير فيّ الاشمئزاز والأسى معاً. ألم، فقر، معاناة يومية، أمراض نفسية، جوع، نقص بل جفاف في الأساسيات المادية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وحتى العاطفية. كل ذلك لم يمنع والدي أن يقول لي إن شاباً تقدم لخطبتي وطلب يدي منه.

سألتُ نفسي كيف سأقبل برجلٍ لا أعرف عنه شيئاً، ولم أرَه في حياتي قط، أيصحُ أن أتزوج بهذه الطريقة التعسفية لمجرد أني في سنٍّ يجب عليَّ وفق معايير المجتمع والعائلة أن أتزوج فيه؟

أنا لا أريد أن أتزوج بطريقة تقليدية، لا أريد زوجاً لا أعرف اهتماماته، لا أعرف شخصيته، ولا أسلوب حياته، لا أعرف كيف يأكل وينام وهل يصدر شخيراً وما الألوان التي يفضلها، كم مرة ينظف أسنانه يومياً وهل يمارس الرياضة، كيف يتحدث ويناقش ويهتم بالتفاصيل التي تخصني وغير ذلك. لن أتزوج بهذه الطريقة التي يراها المجتمع مثالية، هذا المجتمع نفسه حين أغلق باب منزلي لن يسألني عمَّا أشعر به، هل أنا سعيدة، تعيسة، مرتاحة، مرهقة، متوازنة أم ضائعة، ولن يخفف عني معاناتي المحتملة ولن يقترح لي الحلول.

هل أريد الزواج؟
في المقلب الآخر؛ أتممت الثلاثين من عمري وما زلت بلا زواج، لكني أستطيع أن أستشعر ميلي لمشاركة حياتي مع شخص ما، أستشعر رغبة دفينة في الزواج، لكن هل أتزوج كيفما اتفق فقط لأنقذ نفسي من ألسنة هذا المجتمع السليط؟ ماذا لو كان الشخص الذي سأتزوجه لا يناسبني ولا يتفق مع أفكاري ولا يهتم لاهتماماتي؟ مجرد التفكير في هذا السيناريو يرعبني، سيكون زواجي بائساً ونتائجه المدمرة ستنتقل إلى أطفالي، والمحصلة ستكون عائلتي مجموعة من الأشخاص السلبيين الذين سيزيدون من سوء الواقع في هذا المجتمع السيء أساساً.

السَّتر
الزواج التقليدي من وجهة نظر المجتمع هو إنقاذ للأنثى وستر لها، سترٌ من ماذا؟ وسترٌ لأي الأشياء بالضبط! هل كانت تستعرض جسدها ومفاتنها قبل الزواج مثلاً وزواجها سيستر لها ذلك الجسد وتلك المفاتن؟! هل كانت مفضوحة لأنها غير متزوجة، أو فيها عيب ما؟ ألم تكن مستورة عندما كانت تعيش في كنف والدها؟ حتى لو كانت تعيش مستقلة عن عائلتها، أيعني ذلك أنها غير مستورة وبحاجة لرجل يتزوجها كي يسترها؟ وممن سيسترها؟ من الذكور الآخرين؟!

أظن أن جواباً واحداً كفيل بهذه الأسئلة، وهو أن المجتمع الحاكم لأسلوب الحياة السائد، هو مجتمع ذكوري متجبِّر، منح امتيازات خارقة للرجل، سانده في ذلك الدين والأعراف والتقاليد المتوارثة بلا تفكير، والدعم الكبير الممنوح له من قبلهم جعله "ربّ" الأسرة، والأنثى "تابعة" له لا حول لها ولا قوة.

أحياناً أسأل نفسي: هل هناك سن محددة يتحتم على الفتاة ألا تتجاوزها بلا زواج لأنها بذلك تحقق الشروط المعيارية للفتاة النموذجية في هذا المجتمع؟ أم أن الأمر مرتبط بالطبيعة البيولوجية لجسم الأنثى والتي تحرمها الإنجاب بعد سن الـ45؟ ولمَ عليها الإنجاب أصلاً، هل من ستتزوجه يستحق أن يستمر نَسله ويُخلَّد ذكره؟ وهل إنجاب طفل في ظلِّ هذه الظروف هو أمر عادل وصائب؟

رغم كل الضغوط الأسرية والاجتماعية التي أتعرض لها في ما يخص الزواج، ما زلت متمسكة ومصرة أن أعيش حياتي وفقاً لقناعاتي، وألا أكرر تجارب الآخرين في الزواج التقليدي، بهدف النجاة من ضغوط فرضها المجتمع والأسرة لأجد نفسي في هوّة من الضغوط الأقسى، بحيث يكون زواجي مناسباً لأطراف المجتمع كافة... باستثنائي!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها