الأربعاء 2023/09/20

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

بيني وبين نفسي...فستان لم يعد يليق بي!

الأربعاء 2023/09/20
بيني وبين نفسي...فستان لم يعد يليق بي!
"أذكار صحوة الصباح" للفنان الأوكراني إليليا زومب
increase حجم الخط decrease
أراقب نفسي من بعيد. أقف على مسافة منها. وكأنها لا تمتُّ إليّ بصلة، ولا تربطني بها أي علاقة. أتغاضى فجأة عن الألفة بيننا، وكأني بحاجة للانفصال عنها، وكأني أستمتع بانتقادها وتأهيلها، وفي كثير من الأحيان، بالقسوة عليها.

أحمّلها أكثر ممّا تتحمل، أعرف أنّي أظلمها، لكني لم أعتد أن ألوم غيرها. "الخطأ" خطأي وحدي. لا أذكر أن أحداً شرح أن الحياة لا تقف عند سهوة ما. ومَنْ يحدد الخطأ أصلاً؟ الخطأ، كـ"العيب" و"التضحية" مفاهيم يسهل ربطها بالنساء في مجتمعاتنا، ننشأ على أنه لا مكان للخطأ أو العيب، فالمساحة النفسية كلها محجوزة للتضحية.

هذه التضحية تتلون بعبارات وقعها أخف على السمع، إلا أنها ذات دلالات أخطر، مثل "بدك تتحملي" و"معليه شو بدك تعملي".. هذه العبارات إنما وُجِدت لتقضي على ما تبقى من فسحة قابلة للحياة، فهي تكرّس الاستغلال، ومع ترسخها تصبح التضحية واجبًا مسلّماً به لا يستأهل حتى الشكر أو الشعور بالامتنان اتجاه اي تقديم أو مشاركة.

للتضحية شروط، أبرزها عدم الكلام عمّا تقدمه، خوفًا من الوقوع في فخ "التمنين"، إذ أنه لا يجوز لأحد أن يشعر بالحرج بأنك قدمت له خدمة، أو أنك قمت بعملك وأقل ما يتوجّب منه أن يشكرك على مجهودك. لا يكفي أن تضحي، بل عليك أيضًا الاستمتاع بهذه التضحية كي لا يشعر الآخر بأنه ثقل عليك، فالتضحية تكمن في الانصهار التام في سبيل راحة الآخر.

تختلف المواجهات اليومية وتتعدد، حتى يكاد لا يمر يوم واحد من دون مواجهة معضلة ما أو شخص ما. هي الحياة مبنية على سلسلة من المواجهات المتفرعة من أذرع كثيرة، تطاول تفاصيل صغيرة وكبيرة. في زحمة الهموم اليومية الأساسية، تبدو المشكلات الطبيعية التي تمر في أذهان الناس عادة، والنساء بشكل خاص، رفاهية يصعب التركيز عليها.

والمواجهات نسبية، لا يمكن أن تأخذ المكانة نفسها عند الجميع. وأنا وقفت مؤخراً في مواجهة صعبة. مواجهة أنستني عبارات تهديد وصلتني رداً على آرائي السياسية التي لا تتماشى مع المجموعة. وجدتُ نفسي في مواجهة فستان. ما إن دخلت المتجر، حتى ناداني الفستان بلونه الرمادي الداكن وقماشه المنسدل، غالباً ما تناديني الأشياء الجميلة، فأذهب نحوها بكامل استسلامي.

وقفتُ أمام الفستان أعاتبه، كيف له أن يكون بهذه البساطة وهذا الجمال في آن؟ كيف جمع كل ما أحب دفعة واحدة؟ اللون الراقي، والقصة الأنيقة مع الظهر المكشوف، والقماش الناعم. والأهم من ذلك، كيف له أن يكون بعيد المنال لهذه الدرجة؟ من أين لي أن آتي بجسم باربي لأرتديه؟ المشكلة ليست في وزن زائد أو بطن ممتلئ، المشكلة في قصّات باتت تُفصّل على مقاسات غير بشرية إلى حد ما. فالبطن الممسوح، له شروط، منها عدم الإنجاب، وعدم الأكل وعدم التقدم في السن، والكثير من الرياضة أو عمليات التجميل.

المواجهة مع الفستان رمزية ومعنوية في آن، وهي لا تقل قيمة عن أي مواجهة أخرى. فهي مواجهة جديدة تلقي بظلالها على النفسية المتخمة بالمهم، والأهم، والأمور الأساسية على سلّم الأولويات. هل أرتديه وأثقل نفسيتي بما لا تحتمل عندما ترى أنه لم يعد يليق بي مثل هذا التصميم؟ أم أبقي لمخيلتي المجال من دون قطع الأمل؟

هي الحياة كالتربية، "قدرة على التحمّل"، والعبرة بأن تعرف كيف تتخلص من عبء لتفسح المجال لعبء آخر للاستيطان. يجب على أعباء الحياة أن تصبح انتقائية تماماً كالذاكرة، فلا داعي أن تبقى الجراح والأعباء حية بشكل جماعي، لا بد من الفصل بينها. ولا داعي لإفساح المجال أمام عبء ما أن يمسك بيد جرح ما، ليبحثا عن أذية ما ليؤسسا انهياراً نفسياً تاماً.

أنا مسيّرة ولست مخيّرة، لأني لو امتلكتُ الخيار بتحويل حياتي إلى شيء ما، لجعلتُها رقصة باليه، واخترتُ لنفسي دور الراقصة التي ترسم المسرح بخطوات حالمة، تدور في فلك الحرية، وتحرك يديها بأناقة فتُشير إلى الزمن بأنامل سحرية ليتوقّف، وتوزع بأصابعها أمانيها، تنثرُ الغبار السحري على كل ما حولها فتتحقق أحلامها بسهولة الاسترخاء مع الموسيقى الصادحة. 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها