الإثنين 2014/07/07

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

السينمائيون إذ ركلوا خارج المرمى!

الإثنين 2014/07/07
السينمائيون إذ ركلوا خارج المرمى!
بيليه وستالوني في "الهروب إلى النصر" لجون هيوستن
increase حجم الخط decrease
لم تهب السينما طوال تاريخها أفلاماً كبيرة عن كرة القدم حاملة مضامين فنية عالية. ظلت هذه اللعبة الشعبية هامشية على الشاشة، وجاءت كخلفية إما للضحك أو للتأكيد على أشياء أخرى من خلالها: فساد، منافسة، دسائس، الخ. لم يهتم السينمائيون للكرة ككرة. في معظم الأفلام التي شاهدناها كانت مجرد حجة لفيلم أكشن أو مغامرات. مكث الفوتبول في غالبية الأحوال، عند مستوى الـ"ماك غوفين"، وهو التعبير الشهير الذي كرّسه ألفرد هيتشكوك مشيراً الى الشيء الذي يشتهيه أبطال الرواية. فالكرة سينمائياً كانت وسيلة ولم تكن هدفاً، على عكس وظيفتها في الحياة الحقيقية. وطبعاً، لم تكن هذه حال الملاكمة التي أعطت أفلاماً في منتهى الروعة، مثل "الثور الهائج" لمارتن سكورسيزي و"علي" لمايكل مان، على سبيل المثال لا الحصر. بإختصار: السينمائيون ركلوا خارج المرمى!

إذا أردنا العودة الى العلاقة التي ربطت هذه الرياضة بالسينما من خلال بعض الأفلام، والعالم بأكمله ينتظر منتخب أي بلد سيحمل كأس العالم في نهاية مونديال 2014، فلا بد أن نتذكر واحداً من أنجح الأفلام حول الكرة: "ضربة رأس" (1979) للفرنسي جان جاك آنو، مع الراحل باتريك دوفير في دور لاعب كرة. يصوّر الفيلم الواقع البائس الذي يعيشه فرنسوا بيران بعد طرده من فريق مدينة ترانكان. الغريب ان رئيس النادي الذي يموّل الفريق هو ايضاً ربّ عمله في المصنع، الأمر الذي يخسّر فرنسوا وظيفته ايضاً. وما يزيد الطين بله هو انه يُتهم زوراً بالاغتصاب. لكن الأمور تتبدل عندما يحين وقت مشاركة الفريق في الدوري الفرنسي، اذ يصبح من غير الممكن تجاهل فرنسوا. في هذا الفيلم يمزج جان جاك آنو، صاحب "باسم الوردة" (1986)، الدراما الاجتماعية، بـ"الكوميديا الرياضية" اذا صحّ التعبير، وهي الكوميديا التي عززها زميله ومواطنه جان بيار موكي في فيلمه الشهير "الموت للحَكَم!"(1983). يتمحور الفيلم حول حكاية طريفة جداً لحَكَم يمنح ضربة جزاء لفريق فتنتج عنها خسارة الفريق المحلي. وها ان الفوضى تسود المدينة بأكملها... في هذا الفيلم الذي يتقاسم بطولته اثنان من عمالقة الشاشة الفرنسية، ميشال سيرو وايدي ميتشال، أراد موكي فيلماً يتأرجح بين الخفة والمأساة، يدين من خلاله التجاوزات المرتبطة بالكرة.

لا نعرف لماذا رغبت أربع جهات انتاجية اعطاء الضوء الأخضر لفيلم "مارادونا"، إخراج أمير كوستوريتسا، حيث تطفو شذرات من أفلام عدة أنتجت سابقاً. "مارادونا" يستكشف الوضع الاجتماعي في الأرجنتين من خلال شخصية شعبوية ومحبوبة تخاطب الناس بلغتها. لكن بالنسبة إلى كوستوريتسا، هذا فيلم عن لاعبه المفضل، عن رجل يتماهي معه فكرياً وسياسياً. وبحجة انه معجب بالرياضي الارجنتيني، صنع فيلماً غير مفيد البتة، يقدّس الشخصية التي يصوّرها، وهذا الفيلم استعجل في إنزال كوستوريتسا الى العدم. أما البقية فبؤساء مخدوعون يتخبطون في هذا العمل الذي لا يعطي أي دلالة على شيء يمكن انقاذه، فلا تنجح الكاميرا في التقاط عدد من التفاصيل من النوع البسيكولوجي، وتعود الى التواضع البدائي بعد فترة من الأنانية. اذ ان هذا اإاخفاق المربك للمخرج حائز "السعفة" مرتين، ليس سوى هذيان مراهق أمام اسطورة كرة!

حتى المخرج البريطاني الكبير، كن لوتش، أضاع بوصلته السينمائية حين قرر اسناد دور البطولة الى لاعب الكرة الفرنسي اريك كانتونا في فيلمه "البحث عن إريك"، والذي عُرض في مهرجان "كانّ" 2009. يتمحور الفيلم حول صداقة تنشأ بين "لوزر" - انكليزي من العيار الثقيل، والشخصية التي يضطلع بها كانتونا. ليست الكرة موضوع الفيلم مع ان كلّ شيء هنا يذكرنا بها، بدءاً من حضور كانتونا الطاغي. مشكلة الفيلم انه "بريتيش" حتى العظم، خصوصاً في فكاهته، ومن الممكن اعتباره استراحة هذا المخرج اليساري.

ثم، صدّق أو لا تصدّق، فهناك فيلم للمخرج الأميركي الكبير جون هيوستن، عن الكرة مع سيلفستر ستالوني. "الهروب الى النصر" هو عنوان هذا العمل الذي صوره مخرج "الملكة الافريقية" العام 1981 مع ستالوني ومايكل كاين ماكس فون سيدو ولاعب الكرة البرازيلي الاسطورة بيليه الذي يضطلع بدور الكابورال لويس فرنانديز. الفيلم الذي سقط في النسيان مع مرور الزمن تجري أحداثه في أحد المعسكرات خلال الحرب العالمية الثانية، حيث عدد من السجناء يقاومون الملل بلعبة كرة القدم. يقدم هيوستن على تصوير المباريات كما لو انها لحظات هيتشكوكية مشوقة، لكن النتيجة مخيبة، علماً انه يجب التذكير بأنه كان من اوائل المخرجين الذين جعلوا من الكرة مادة كاملة لفيلم. وإذا كان الأميركيون لم يهتموا كثيراً بهذه الرياضة كونهم لم يمارسوها حتى الأمس القريب، فهناك أفلام شكّلت علامات فارقة في كيفية طرح الكرة الأميركية التي تختلف قواعدها وطريقة لعبها عن الكرة الأوروبية. ومن هذه الأفلام: "أيُّ يوم أحد" (1999) لأوليفر ستون مع آل باتشينو  في دور المدرب. الفيلم يحملنا فعلاً الى كواليس لعبة فيها الكثير من الفساد والسلطة والعلاقات المكلومة، وقد يكون العنوان الفرنسي للفيلم "حجيم الأحد" أكثر تعبيراً عن الحالة التي أراد ستون الكشف عنها.

أما ضربة المعلم الأقوى فتبقى فيلم "زيدان، بورتريه من القرن الـ21" لفيليب بارينو ودوغلاس غوردون. صوّر المخرجان هذا الفيلم التوثيقي في 23 نيسان/ابريل 2005 في ملعب سانتياغو برنابو خلال الدوري الاسباني وأثناء مباراة بين ريال مدريد وفياريال. لا يفعل الفيلم الا متابعة ورصد كل حركات اللاعب الفرنسي جزائري الأصل، زين الدين زيدان، طوال ساعة ونصف الساعة، وذلك من خلال 17 كاميرا وُضعت في ارجاء الملعب، ما يمنح المتفرج الاحساس بأنه شريك زيدان على أرض المعركة.
increase حجم الخط decrease