الأربعاء 2014/07/09

آخر تحديث: 14:57 (بيروت)

ليلة الدخلة في البرازيل

الأربعاء 2014/07/09
ليلة الدخلة في البرازيل
جمهور البرازيل أصيب بالخيبة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

 هتلر، الهولوكست، ليلة القدر، عاشوراء، والجيش السوري الحر... هكذا تم إحياء أمسية "النصر" الألماني الكروي على البرازيل في مواقع التواصل الاجتماعي. لا دموع ولا تحليلات وردت – بالإشارة حتى – في سجالات كروية. لعنة الهزيمة، تحولت الى مشاركة بالفرح الساخر. لم يبقَ لجمهور المنتخب البرازيلي مناصرون في "فايسبوك".. ولا حتى متعاطفون. الحدث التاريخي الذي ستحفظه الأجيال، أكبر أن من يتوارى وراء تغريدة تأييد. أو حتى وجوم حزين. الألمان أدخلوا هدفاً وإثنين.. وسبعة. إنها "ليلة الدخلة في البرازيل"!

لا مجال للجدّ في موقعة "التزريك" والشماتة. جمهور يثأر لهزيمة المُضيف المدويّة. وحدهم العرب المقيمون في البرازيل، ينقلون نعي أبناء البلاد للمنتخب الأصفر، باستخدام صور لدموع الأطفال، وينقلون تداعيات الحدث الداخلية. تظاهرات واحتجاجات، و"ربيع برازيلي" على قاب قوسين أو أدنى من الإشتعال. تشير الصور الى أن فقراء البلاد الحاقدين على البذخ لاستضافة كأس العالم، ستكون لهم فرصتهم للإنقضاض على فساد حُكي عنه خلال مراحل التحضيرات للبطولة. وعدا هؤلاء، يتمترس كل ناشط عربي خلف خطوط تماسه، لقتال الآخر إلكترونياً.

ليس دقيقاً القول إن فوز ألمانيا، أو هزيمة البرازيل، لا ناقة لنا به، ولا جمل. التآلف مع الحدث، بعيداً من حساسيات طائفية وحزبية تفاقمت في العالم العربي أخيراً، ضرورة حتمية للتعبير. غير أن التفاعل الذي ظهر في منابر شخصية افتراضية، يحمل في طياته الكثير من أدوات التعبير نفسها المستخدمة في محاكاة معاركنا الداخلية. هو تجسيد لسياق التأييد والتكفير نفسه المتّبع في الدفاع أو الهجوم عن حليف أو خصم.

فلتنا من عقالنا؟ نعم. لا تتسع الحرب، مهما كانت أشكالها، لأي مساحة للعقل. في الوطيس، كل المحاذير مباحة. هتلر نُبشت عظامه، كرمز للبطش والنصر. الهولوكست أيضاً. والرايخ الألماني. ليس صحيحاً أننا ندين بما يدينه العالم. ففي الخصومة، إباحة للقتل والتمثيل، ولو جاءت في معرض الذم والإحتقار والسخرية.

وتمتد حفلة المزايدة، الى استحضار رموز الذاكرة الجمعية لمعاني النصر والهزيمة. الأساطير جزء من معركة القتل، كذلك مفردات الدين. "يحتاج مدرب البرازيل اليوم لقراءة دعاء الجوشن الكبير لانقاذه". ليس هذا التعليق عابراً، ولا حتى الدعوات لاحياء "ليلة قدر جديدة"، أو المناداة بلسان حال نيمار "اليوم انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي". تم تحشيد الصور المشتركة في الذاكرة الدينية الجمعية، على تعدد مذاهبها. وفي أنتربولوجيا الشعوب، سياق غير تفصيلي.. كذلك في مهاراتها الصناعية، ونجاحاتها، وعاداتها وتقاليدها، ومصادرها الحيوية. تكاد تختصر عبارة "الماكينات الألمانية تطحن البن البرازيلي"، كل ما تقدّم.

ولم تغب السياسة عن التعليقات في مواقع التواصل. بدت موالفة للحاضر. تضيق الدائرة الزمنية من سياقات النصر الماضية، الى ما هو حدثي. مناجاة حزب الله للتدخل في المعركة، قابلته مناجاة لتدخل بعض فصائل الجيش السوري الحر. كلُّ إستنجد ببطله المفترض، لإغاثة خياره. الحاضر السياسي يحفر في اللحظة، وتُسقَط صورة "البطل" على خيارات تشجيع كروي ذاتية، يتشارك فيها مؤيدون في السياسة ومتخاصمون.. وينقسمون أيضاً، ليقبل الحاضر القسمة على أربعة، بدلاً من إثنين.

ولم تكن واقعة ليل الثلاثاء، دليلاً يتيماً على انقسام متزايد، ومناجاة سياسية. فاللاعب الأرجنيتي ميسي، كان في مباراة الأرجنتين ضد إيران، "أسد السنّة"، بعدما سجل هدفاً في مرمى فريق طهران. كذلك، تمظهرت العصبية القبلية في تشجيع منتخب الجزائر، بوصفه قادراً على تحقيق نصر عربي (ظرفي) وحيد، في زمن الهزائم. الرياضة أيضاً تستنفر عصبياتنا وانقساماتنا، قبل أن نعود للقتال في جبهات عدة.

قد يكون صواباً القول إن منتخب البرازيل يستأهل كل تلك القسوة. ما مُني به، أكبر من جرح يلتئم. هو سقوط مدوٍ لتاريخ البلاد الكروي. وحين تفرغ جعبة الدين والسياسة، تبدأ إسقاطات الموروث العاداتيّ بمعاني الشرف والعرض والإهانة. البرازيل أمس، "إغتصبها الألمان في منزلها"، بسبعة أهداف مقابل هدف واحد. كانت "ليلة الدخلة في البرازيل" في مواقع التواصل العربية!

increase حجم الخط decrease