تلقى المشاركون المصريون في برنامج مؤسسة المورد للمنح الإنتاجية لدورة أغسطس 2014 صدمة كبيرة في صورة رسالة اعتذار مقتضبة تقول: "يؤسفنا إبلاغكم بأنه نظرا لظروف توقف أنشطة المورد الثقافي في مصر طبقاً للبيان الصادر في نوفمبر 2014 فقد قمنا باستبعاد جميع الطلبات الواردة من المتقدمين المصريين ونأمل أن تسمح الظروف بعودة أنشطة المورد في مصر في أقرب وقت".
المؤشرات تقول إن المؤسسة التي بدأت عملها في مصر العام 2004 تعرضت –كغيرها- لمضايقات أمنية، ولا يخفي على أحد ما حصل من تطورات على صعيد انتهاك الحقوق في مصر. لكن بعد إعلان وزيرة التضامن أن الوزارة لن تلاحق "الكيانات والشركات المدنية التي تمارس العمل الأهلي وفقا لأي قانون في مصر"، كان على المورد توضيح خطوتها الاستباقية التي تبدو الآن وكأنها قفزة في الفراغ، خاصة وأن البيان الأخير الذي أعلنت المؤسسة من خلاله عن توقف العمل لا يشرح الكثير، بل ربما كان مجرد تأكيد على الدور الذي لعبته المؤسسة، وأنها لم تتجاوز الدور الثقافي المرسوم.
ليس على المورد أن تصدق بيانات الحكومة، لكن الواضح أن ضغوطا كبيرة تعرضت لها المؤسسة تسببت في هذا القرار وكان عليها توضيحها بدلا من التخلي عن أصحاب المنح.
فالمؤسسة التي أعلنت وقف نشاطها في مصر مطلع نوفمبر الماضي، قبل أيام من انقضاء المهلة المحددة لمنظمات المجتمع المدني لتسوية أوضاعها وفق القانون الجديد، كانت قد وعدت في بيانها الأخير – دون أن توضح الكيفية- بالاستمرار في القيام بدورها على المستوى الإقليمي بهدف تشجيع الفنانين الشبّان على الإبداع ودعم حريتهم في التعبير، وإتاحة الفرصة لهم لعرض والترويج لأعمالهم الفنية في الدول العربية المختلفة.
لكن الواقع الآن يقول غير ذلك، فالمؤسسة تخلف بوعدها وتستبعد المصريين تماما، بل وتتخلى أيضا عن الفائزين بالمنح السابقة.
الارتباك هو سيد الموقف حاليا، كل المشروعات معطلة، ولا أحد يجيب على الاستفسارات المتكررة، والمؤسسة تتعامل مع بيانها الأخير باعتباره المانيفستو الوحيد لتوضيح موقفها رغم أنه لا يوضح شيئاً.
إيمان عادل تقدمت للدورة الأخيرة وانتهت تجربتها قبل أن تبدأ، تقول إنها تقدمت بمشروع عبارة عن سيرة روائية لأحد الشخصيات يستلزم السفر إلى الخرطوم وفرنسا لاستكمال مادته "المشكلة أنه عمل لا يعتمد بشكل كبير على الخيال بقدر ما يقوم على تتبع حياة شخصية معينة". كانت تضع إيمان أمالاً كبيرة على المنحة لتتمكن من استكمال مشروعها، لكنها ورغم الاستبعاد ترى أن المورد كانت مجبرة على غلق مكتبها في مصر، تضيف ان قانون تراخيص جمعيات المجتمع المدني الذي صدر مؤخرا كان يهدد بعقوبات خرافية ليس عليهم فقط، بل أيضا على من يتعاون معهم ويحصل على تمويل "صحيح لم أكن أتوقع أن يتم استبعادنا بعد أن قدمنا. لكن المورد ربما قامت بتلك الخطوة خوفا علينا لو تم إثبات أننا حصلنا على تمويل، فكل شيء متوقع من النظام الحالي، هم وجدوا أنفسهم أمام قانون صريح يهدد نشاطهم ويعاقب بأقسي العقوبات، أكيد لن ينتظروا حتى يستكشفوا".
وتتساءل إيمان: "هل الحكومة التي أصدرت القانون قادرة على دعم منح لسفرنا للكتابة، أو دعمنا حتى للتفرغ؟".
الكارثة أن الارتباك لم يكن فقط في الدورة الجديدة بل امتد أيضا ليشمل دورات سابقه، فأحمد مجدي همام الفائز بدورة أغسطس 2013 عن مشروعه "الحكاءة الأرمينية" الذي يتناول حياة سيدة مصرية من أصول أرمينية في الوقت الراهن، يسترجع تاريخها وتاريخ عائلتها وجوانب مهمة من التاريخ الأرميني وعلى رأسه المذبحة، يقول إن توقف المورد أثر بالسلب على مشروعه، لأن جزء منه كان يتضمن السفر لأرمينيا، والسفارة الأرمينية عبر المستشار الثقافي للسفير طلبوا منه ورقة من المورد موجهة للسفارة لتسهيل سفره على نفقة المنحة. إلا ان المورد اعتذرت عن استخراج أي أوراق من هذا النوع بسبب إغلاق مكتبهم في القاهرة. وبالتالي فمشروعه أيضا معطل.
والأمر نفسه بالنسبة لمحمد عمر جنادي فبعد أن علم بالخبر اتصل بالمورد يقول: "أكدوا لي إن المنحة الإنتاجية مستمرة وبعيدة عما حدث، وبالفعل أرسلوا لي العقد مؤخرا لتوقيعه، وكانوا قبل ذلك قد أرسلوا بعض المرفقات لاستكمالها، لكن الملاحظ أن الخطوات والمراسلات تتم ببطء وعلى فترات زمنية غير قصيرة".
التضييق على أعمال المجتمع المدني ليس وليد اليوم على أي حال، وظهر بقوه عقب ثورة يناير مباشرة، وتشكلت نية واضحة للتخلص من هذه الكيانات تارة عبر تشويه سمعتها واتهامها بتلقي أموال لهدم الدولة، وتارة بالقوانين المكبلة المفسدة لطبعية العمل الحر. والنتيجة أن قطاعات كبيرة تبتعد كل يوم بخطوات متسارعة عن الدولة، ولا تسعى إلا إلى الابتعاد عن قيودها وضغوطها واتقاء لقمعها، لأنها ببساطة تجردها من قدرتها على الإسهام في العمل التطوعي والجهد التنموي الذي لا تنفك تذكر به مع كل فعالية ومع كل بيان احتجاجي، لكن الواقع يقول إن الخاسر الأكبر الآن هم أصحاب المنح الباحثين عن الابداع.
الشاعرة عزة حسين اعتبرت موقف المورد الأخير بمثابة عقاب للمبدعين المصريين، تقول إنه عندما أعلنت مؤسسة المورد الثقافي تعليق أنشطتها في مصر ملوحة بضغوط قانونية أو سياسية تتعرض لها، تلقى الكثيرون الخبر على إنه مجرد إغلاق مقر في إحدى المناطق مع استمرار تقديم الدعم لها من أرض أخرى، لكن يبدو أن هذا كان "فرط تفاؤل"، ﻷنه بإعلان المنظمة العالمية استبعاد جميع المتقدمين للمنحة من مصر بدا وكأن المبدعين المصريين هم أصحاب الخصومة مع المورد فبادرتهم بالعقاب.
تضيف: "المؤسسة التي طالما قدمت نفسها باعتبارها الداعم المستقل لأصحاب المواهب الحقيقية واﻷصوات المخنوقة من قبل اﻷنظمة المستبدة مرة بالتهميش ومرة بالتضييق أو بالاثنين معا، تخلت بقرارها اﻷخير عن المبدعين المصريين الذين صدقوا شعاراتها، وتوجهوا إليها بمشاريعهم، وكأنها اختارت أن تحاربهم من نفس أرض النظام الثقافي والسياسي المتردي الذي تخلى تاريخيا عن دوره، وبدد أموالهم في مؤازرة كافة أشكال الرجعية، وأخضعهم لشروط المانحين اﻷجانب ليعاقبهم بها بعد ذلك".
وكان الأجدر بالمؤسسة في وجهة نظرها الاتساق مع دعواتها بضرورة تخطي العقبات والضغوط الناتجة عن الأوضاع القانونية والسياسية المحيطة بالقطاع الثقافي المستقل، وهو اﻷمر الذي خصصت له المورد مؤتمرا جمع قادة هذا القطاع في المنطقة العربية بهدف التأكيد على دورهم في مرحلة التحول الديموقراطي في المنطقة العربية، لكنها مع اﻷسف تصرفت ببيروقراطية أكثر من البيروقراطيين الذين تواجههم وكأن الحكومة التي ضيقت على دعم المثقفين "المارقين" من حظيرتها ستتضرر من رفع الدعم عنهم فتشعر بالذنب وتراجع قراراتها!
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها