الخميس 2014/07/31

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

افتتاح مهرجانات بعلبك بـ"عاصي الحلم": جملة واحدة فقط

الخميس 2014/07/31
increase حجم الخط decrease

تتّخذ الوحدة مبدأها الفردي أولاً. تحقق الدمج بين فرديات الجسم المؤلف من الكثير من العناصر. هذا هو المنطلق في "عاصي الحلم". لا تدّعي المسرحية أكثر من ذلك، بعيداً من التثاقف. إذ أن "عاصي الحلم" عمل "بازل" مسرحي. ثمرة لقاء مجموعة من الأعمال.

عاصي الحلاني بطل "صلاح الدين" للأخوين فريد وماهر الصباغ، في واحدة من دورات "مهرجان بعلبك" الأخيرة. جو مكرزل، المستشار الفني للمسرحية ذاتها. مكرزل، صاحب أعمال قليلة سابقة، أبرزها "جبران لوحة عمر". شاهدها الحلاني، أعجب بها. عندها جمع الحلم الرجلين في "عاصي الحلم". تأجل تنفيذ الحلم، منذ العام الماضي، بسبب الأوضاع غير المستقرة في منطقة البقاع وبعلبك.


لا تروي المسرحية حدوتة درامية. الدراما لا مسرحية هنا. لا يؤخذ على عاصي الحلاني، أن يندفع إلى تحقيق ما ينبغي له. هذا طموحه. غير أن ما يؤخذ عليه، هو إطراب النفس بدءاً من عنوان العمل المسرحي الاستعراضي، الشعري، الغنائي، الراقص. المفردات الجوهرية تنافس بعضها. لا شك في ذلك. ذلك أن "المسرحية" المعمّرة على أغنيات اختارها المطرب والمخرج من "ريبرتوار" عاصي الحلاني، اختلفت على الأحلى بينها وبين المقاطع الشعرية، المكتوبة بقلم الشاعر المارجينال أسعد جوان. أغنيات ملحونة وقصائد بالعامية اللبنانية. الأغنيات تتصل بعالم الموسيقى والغناء. والشعر لا يتصل إلا بالشعر. التلاوات الشعرية، بصوت المخرج ذاته، هي المفردة الجوهرية الموازية لحبل الأغنيات القديمة والجديدة من حصالة عاصي الحلاني. تنافست الإثنتان على إثارة الإيقاع بالنفس. لأن جوان، الكاتب على حقل تحقق القصيدة، جهد حتى يصل ما يعتبر منتخباً في تجربته الشعرية. 


"على هالأرض اللي خالقها رب السما/ لو(له) بيت ببعلبك/ مزنر بالشجر/ ع جبين الشمس/ المعمرو حجر وحجر/ لو ما يكون الكحل/ أحلى من العمى/ مش خرج يقعد في/ غير ضو القمر". كتب الشاعر عشر قصائد، هذه أولاها. صحيح أن عاصي الحلاني كان سخياً على العرض، بحيث طلب أغنية خاصة، كتبها نزار فرنسيس ولحنها هو نفسه، غير أنها بقيت أغنية من أغنيات (هون السما بتطال/ والأرض بتحبك/ والنهر نهر رجال/ جايي النهر صوبك/ قول اللي ما بينقال/ عن حلم مجد نقال...). حاصر الشعر المشاهد المتتالية بالأقوال، بدلاً من إقامة الصلة بين السكون والحركة. قام ما يشبه التضاد هنا. غاب التناسب والانسجام بالمعنى الدرامي. لا تأليف أولاً. هناك توليف أو منتجة، واجهتها عقبات غير واهية. لأن فهم العلاقة بين العناصر على المسرح، بقي بعيداً. لا حضور مكين لما يساعد على تلاحم العناصر. صدام حي بين الطبقات العديدة في المسرح. الأداء، الرقص، التلاوة، الغناء، ومجموعة العوامل والظروف الأخرى. لا ينبع الخلق هنا من خصائص المسرح، ولا من الذوق الجمالي الخالص.


أهم نقطة، يثيرها "عاصي الحلم"، إنتاج كائن غير واضح الملامح. لا قواعد في غياب الخصائص. كل الرغبات والقدرات، تصب في بناء عربة، لن يلبث أن يجرها حصان عاصي الحلاني وحده. كل الخبرات مجيرة لصالح الفكرة هذه.


فرنسوا رحمة، كتب الخطوات الراقصة للعرض. راقص  فرقة كركلا السابق، كوريغراف العرض الجديد ومصمّم ملابسه. تساعده في ذلك، اسبرانس خوري، الراقصة السابقة في الفرقة. ديكور جوزيف وجورج خوند، الأخير راقص حالي في "فرقة كركلا". الرقص رقصان. رقص فولكوري بسماته المعروفة، ورقص مصمّم للعرض على القواعد الآمنة. ذلك أن رحمة (راقص ممتاز)، يجدّد الولاء للباليه المودرن، على حضورات لا تخفى للباليه كلاسيك. لا تفاهمات جديدة بين الأنواع الراقصة. على أن عبد الحليم كركلا، إبن المنطقة، ورَّد التوازنات المناطقية إلى "عاصي الحلم". الاتحاد واضح بين التجربتين، بوجود بعض العناصر المشتركة، على اختلاف الرؤى والقوى والآفاق. لا اتحاد في النماذج الأخرى، إلا إذا اعتبرنا الفولكلور شيئاً من أعمال فهد العبد الله. تقييد المهام واضح. مهام تقليدية وأخرى غير تقليدية. لن يساهم ذلك في التغيرات الجذرية في عالم المسرح. لأن العرض دون ذلك. عرض تجميع، بلا تصاعد للاتجاهات بالباقة الواحدة. شيء من الواقع، شيء من الفانتازيا. أغنية لاقت صداها. شعر مكتوب على الأوزان الحرة. شعر قصيد، شعر مكتوب على المعَّنى. عزف حي في أحيان. موسيقى مسجلة في أحيان. دبكة، رقص مودرن، باليه كلاسيك. سيرة ولا سيرة. دراما ولا دراما. مشاهد جماعية وطلات شخصية لأحد أبرز الأصوات بالراهن اللبناني. مسموعات ومرئيات. فصول أربعة، مصفوفة بغير مساس مباشر بالواقع، لأنها تبدأ بالخريف، بتضمين الأخير الأبعاد الاجتماعية لحياة عاصي الحلاني. لأن المسرحية، تبدأ بالكلام على رحلة المطرب من مرحلة الصراع العنيف على سلم الطبقات الفنية، وصولاً إلى الوقوف على فتنة النجاح الكبير، بالإرهاف والشفافية. كل فصل عتبة ونقلة وجزء متواتر بالسيرة المتوترة. 


المثال يوضح المقصود. المثال هو عاصي الحلاني. دفع الرجل بكل أنواع الإغراءات، على قواعد المسرح الاستهلاكي (العادي). ما يعتبر مثيراً وأبلغ إثارة في المستور والمكشوف. تتحكم البراءة بالعمليات المسرحية (جو مكرزل من الأسماء المراهن عليها في مستقبل التجربة المسرحية)، في حين لا يقوم المسرح إلا على الزاد الفكري (لا إطلالات للمناهج السائدة ولا تحكيمات مسرحية في ظلها). بطل العمل هو غريمه الأول. لأن سياسة العمل، لا تقوم على الإصلاحات العاجلة والحيوية والملحّة لحضور "النجم"، إذ تسلع المحاولة وهي تخضعها لإعادة التصنيع السريع لصورة، لم ترغب في الحضور إلا على قدر واضح من الإعلان الدعائي. إضاءة حمراء وصفراء، على الأعمدة، ثم يجيء الصوت بالإجمالية الشعرية الأولى، على رقصة باليه غير مفاجئة لراقص يرتدي الأبيض. دخول الحلاني على "مهرة كحيلة" بكامل الزينة، برفقة فرقة مجد البعلبكية. الطبل في المقدمة. النجم يكاتف الراقصين ثم، الوقوع في كل ماهو متوقع. حفلة تحقق الحضور المثالي للمطرب، في المعبد، بعيداً من منتديات الغناء التقليدية والليلية. مديح النجم، مديح المدينة. مديح المدينة مديح النجم. والذهبي، على ملبس الحلاني، يقيم بدايات امبراطوريته المؤقتة على المسرح التاريخي.  


يمكن تقليص حدة التوتر في الحفلة البعلبكية على مدى الليالي المرصودة. "جينا يا بعلبك" لن تلعب دور استعادة الماضي. لأن الأخير محكوم بالحاضر. لن يخفف هذا من العداء القائم بين الأطراف المحتشدة، غير بعيد كثيراً من بعلبك، المستحقة نجمة الشجاعة، تمنحها للجنة المهرجانات المغامرة وللبنانيين المتخطين الحاضر المأزوم إلى الماضي المعلوم. كثافة الوسائل الإعلامية في الحفلة، على الرقعة الجغرافية المحددة، لن يفعل سوى أن يؤكد أن الفاخر، الأكثر سفوراً، أضحى في غياهب الماضي البعيد. خمس ساعات وأكثر بالسيارة، على طريق الذهاب والعودة، حتى تحقق الأوضاع الطاعة للبناني. غير أن الأنوار القليلة، الطالعة من التلفزيونات القليلة، ما انفكت ترسل صور الموت والقتل والغارات والشهداء. لا يزال اللبناني، الأكثر قدرة على رسم الجزر المستقلة، عن عالم يتداعى حوله. "كل شي مارق جيوش/ وتتر/ ووحوش/ ما حدا هدا لهلقلعة/ ولا نقص منها حجر". ثم "لما إجا تموز/ والفارس معو/ حامل على حصانو/ صوت فيروز"... دار العمل الاستعراضي، الغنائي، الراقص، على هذه الجملة.. وانتهى.

increase حجم الخط decrease