الأحد 2014/06/15

آخر تحديث: 10:45 (بيروت)

أخي مينا، الثقافة ليست حظيرة

الأحد 2014/06/15
أخي مينا، الثقافة ليست حظيرة
من ماراثون الدراجات الذي نظمته السلطة في القاهرة قبل أيام "مصري وأفتخر" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
أخى في الوحدة الوطنية، مينا ناجي

قرأت منذ أيام مقالك المنشور في المدن تحت عنوان "المعركة الثقافية المصرية" وتحت الاقتباسات والبلاغة الشعرية التي جاء عليها المقال –ولا أخفي إعجابي بها- لمحت الحدود الضيقة التي ترى عليها المعركة في تكرار لذات الرؤية لمعركة الثقافة التي انتقدتها في مقالك والتي انتقدها سابقاً نصر حامد أبو زيد الذي استشهدت بما كتبه.


أنا ضعيف في مسألة المشاعر ولا أفهمها جيداً، وحينما تصل المشاعر إلى التعميم أو الحديث عن شعور جمعي يبدو الضباب سائداً على المشهد. تقول إن كراهية الربيع العربي أصبحت متماهية مع كراهية أخرى هي كراهية الديموقراطية، وإن كنت اتفق معك في هذه النقطة إلا أنني لا أرى أنها أصبحت، بل منذ اللحظة الأولى مع تزايد الحراك السياسي والمطالب الحقوقية الديمقراطية منذ 2005 وهناك بث مكثف لخطاب كراهية للديموقراطية. راجع الجرائد الرسمية والشبكات التلفزيونية والإعلامية وستجد أن الخطاب المخوّن والمكفّر الذي يعمل على بث كراهية الديموقراطية كان ولا يزال هو السائد، اللهم إلا لفترة نادرة بعد تنحي مبارك والصعود العاطفي لمشاعر النصر الرمزى.


خطاب الكراهية الموجهة تجاه الربيع العربي والديموقراطية هو جزء من معركة الديموقراطية المستمرة، وهو موجود الآن مثلما كان موجوداً في عهد مرسي مثلما كان موجوداً في عهد مبارك. تفسيرك للحظة السياسية الراهنة بأنها كراهية للديموقراطية تدفع المواطنين إلى السعي للبحث عن أب/راع آخر كان يمكن استخدامه أيضاً لتبرير صعود الإخوان إلى هرم السلطة. لكن كما تعلم فشل الأب الأخوانى، مثلما سيفشل الأب المشير الآن. وذلك ليس بسبب فقط نزاعات قتل الأب، بل أيضاً لعجز هذا الأب عن الوفاء باحتياجات أبنائه من كل الطوائف والذين تعدّى عددهم الآن 85 مليون جنيه.


هذا الأب الذي ترى أن وجوده نتيجة لبحث أبنائه اليتامى ليس سوى صورة، بينما الأب الفعلي الذي يحضر الغاز والبنزين ويبني المنازل لأبنائه المصريين يقع في الخليج العربي. وفي هذا أندهش دائماً، خصوصاً من المثقفين المدافعين عن الدولة والاستقلال الوطني الذين ينتقدون الدعم الثقافي الأوروبي والغربي لبعض التوجهات الفنية والفكرية في مصر، في حين يتم السكوت على التأثير السعودي والإماراتي وسيطرتهم على شبكات الإعلام ونفوذهم في العملية الإنتاجية الفكرية والفنية. حيث تبدو مسألة الاستقلال الوطني كإبن لقيط نبحث له عن أب مزيّف ذو خطاب عاطفي حنون.


لذا فما تفسّره بأنه تحوّلات عاطفية من قبيل "الهوى" ككراهية للربيع العربي وللديموقراطية، أراه خطاباً إعلامياً يتم تسيده تعبيراً عن توجهات "الأوليغارشيّة" المسيطرة، وبالتالي فالمعركة الثقافية هي أولاً مع هذه "الأوليغارشيّة" وخطابها، ولا تكون أبداً بالاستسلام لهذا الخطاب أو حمل خطاب "الحب" في مقابل "الكراهية". على طريقة البعض في تحميل شباب الثورة المسئولية عن الوضع الحالي لأنهم جعلوا الناس يكرهون الثورة، كأن الغرض من كل مكان إقامة علاقة عاطفية ودية بين الشباب وقيم الطبقة الوسطى والعجائز الذين يحتلون المشهد جوار السيسي.


هناك هزيمة بالتأكيد، بل ربما تكون مجموعة هزائم. لكن الاعتراف بالهزيمة لا يعقبه الرضا بالأمر الواقع والاستسلام. فالفرق واسع بين الهزيمة والاستسلام. وحينما تقول في نهاية مقالك "يغلق المجال السياسي، بصورة كبيرة نسبياً، بوصول الراعي، يبقى المجال الاجتماعي والثقافي ممثلاً في حق المدينة وحق المجال العام وحق المعرفة، مفتوحاً كمجال للصراع". فهذا ليس اعترافاً بهزيمة بل استسلام في معركة، وبدلاً من الدموع ترضي بصورة مؤطرة ومحدودة لمعنى المعركة الثقافية كمعركة حقوقية فقط. كأننا نعيد النظرية نفسها التي سادت في التنوير التسعيني الذي تنتقده، حينما رضوا أيضاً بأن تحدّد لهم السلطة مساحة وفضاء المعركة كمعركة ضد الإرهاب والأفكار الظلامية، حيث أصبحت الثقافة حظيرة على حد تعبير وزيرها السابق فاروق حسني، فتطالب أنت أيضاً المثقفين بالرضا بالمساحة المحدّدة لأن الراعي –في رأيك- أغلق المجال السياسي على الرغم من وجود انتخابات برلمانية بعد ثلاثة أشهر ستكون أشبه بصراع مفتوح للوحوش من كل اتجاه وإن نجح الراعي في إغلاقها أيضاً فستكون نهايته مثلما انتهى مبارك بعد برلمان 2010 بإغلاق المجال السياسي.

increase حجم الخط decrease