الإثنين 2024/04/22

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

غابرييل غارسيا ماركيز... رواية ما بعد القبر

الإثنين 2024/04/22
غابرييل غارسيا ماركيز... رواية ما بعد القبر
increase حجم الخط decrease
ترك غابرييل غارسيا ماركيز رواية لم يفرغ، كلياً، من العمل عليها. وأبدى رغبة بعدم نشرها، لكن ولديه الوريثين، رودريغو ورونزالو، خالفا الوصية، وصدرت بلغات عديدة قبيل الذكرى العاشرة لرحيله في 17 نيسان 2014. ورغم أنها لم تثر صدى كبيراً حتى الآن، أو تجد الإهتمام الكبير، الذي كانت تعرفه أعمال الكاتب الجديدة، فإنه من المبكر الحكم عليها، بأنها لن تشكل حدثا أدبياً، وإضافة إلى نتاج ماركيز، بالنظر إلى موضوعها الجذاب، والتشويق الذي أحاط بها منذ أن جرى الإعلان عن اكتشافها قبل أكثر من عام. ويمكن الوقوف على ذلك من خلال بعض القراءات النقدية التي تناولتها، في محاولة لسبر مستواها الفني، وموقعها بين أعمال ماركيز الشهيرة، التي قلّ نظيرها من بين كتاب العالم ممن حازوا جائزة نوبل.

مرة في كل عام، في شهر آب/ أغسطس، تسافر بطلة الرواية، آنا ماجدالينا باخ، وهي امرأة في منتصف العمر، إلى إحدى جزر الكاريبي، لتضع الزهور على قبر والدتها. وفي اليوم الثامن من رحلات الحج هذه، ومن دون سابق إنذار، تدعو رجلاً، مثلها، يجلس بمفرده في حانة الفندق، ليصعد إلى غرفتها. يتعاشران بحماس، لكن الطقس يعاني خللاً ما. هناك عاصفة رعدية، بينما مالك الحزين الأزرق يحلق مضطرباً فوق البحيرة. وعندما تستيقظ السيدة في الصباح يكون الرجل قد غادر. إنها لا تعرف حتى اسمه. وبعد ذلك، كل عام، تشرع في تكرار التجربة مع شخص غريب آخر.

هذه هي حبكة الرواية القصيرة، التي حملت اسم "نلتقي في أغسطس". وحتى الآن، لا أحد، باستثناء مسؤولي الدعاية الذين تتمثل مهمتهم في القيام بذلك، يتظاهر بأنها تحفة فنية ضائعة تمت استعادتها. ماركيز نفسه قال لإبنيه، وهو يعلم أنه بدأ يفقد ذاكرته بسبب الخرف، "هذا الكتاب لا يعمل، يجب تدميره"، ويبدو أنه صرح بذلك في وقت لم يعد قادراً على مراجعة الرواية كعادته، وهي العملية التي كان يقوم بها مرات عديدة قبل أن يرسل العمل الجديد للنشر. ويبدو أن الولدين استمعا لرأي الأب، وتركا العمل مركوناً لأعوام، قبل أن يفكرا في مصيره، ويتخذا قرار نشره، رغم أنه "ليس بالطبع مصقولًا مثل أعظم كتبه"، وعلى الرغم من "بقعه الخشنة"، إلا أنه يجب عليهم "خيانة" والدهم من خلال تقديمه إلى العالم. وهذا اجتهاد يجد من يدافع عنه، ومن يرفضه وينتقده.

تقول الكاتبة البريطانية لوسي هيوز هاليت، في صحيفة "الغارديان": "يشبه هذا العمل الصغير تذكاراً باهتاً، متهالكاً، لكنه ثمين لارتباطه بالعالم الخيالي الرائع، الذي استحضره غارسيا ماركيز في ريعان شبابه". وترى أن الرواية تحتوي على أخطاء صغيرة. تشخص بعضها ب"البناء غير مريح". والأهم من ذلك، أن "النثر غالباً ما يكون مبتذلاً بشكل مخيف، وتركيبه غير دقيق، وتورد بعض الجمل النافرة "كان جسده كله يشع بهواء مميز من خلال ماء الكولونيا المنعش"؛ "لقد استسلموا لهاوية المتعة". لكنها تستدرك "من الصعب أن نعرف، في العمل المترجم، ما إذا كان المؤلف أو المترجم مسؤولاً عن مثل هذه الهفوات"، لكن أياً كان الذي يتحمل المسؤولية، فتلك ليست كتابة جيدة، على حد تعبيرها، فهي تفتقد حس الفكاهة. وتقول، في الختام، لا يوجد سوى آثار هاربة من الخيال الغزير الذي منحنا ماكوندو"، المدينة الخيالية في رواية "مئة عام من العزلة"، مع سكانها، والتي تمتاز بالتوهج اللغوي الذي جعلهما تعيش حتى الآن، ولزمن طويل.

رغم القسوة في بعض الأماكن، فإن الناقدة لا تطلق النار على العمل، الذي يظل من كتابة أحد المعلمين الكبار في فن الرواية، وعباقرة السرد الروائي الفريد، ومهما حاولت أن تفتش عن عيوب، فهي تقرّ بأن أسلوب السرد رائع: "نشاهد آنا ماجدالينا وهي ترتدي ملابسها، وتوقف سيارات الأجرة وتشرب الجين. نحن على علم بحالتها العاطفية، لكننا لسنا مدعوين للشعور بها". وتقدم كشفاً مهماً جداً هو أننا يمكن أن نقرأ الرواية وكأنها معالجة سينمائية، هناك الكثير من الملاحظة، والقليل من التفاصيل الداخلية، والتكثيف الذي من شأنه أن يجعلها قابلة للنقل بسهولة إلى السينما. وهذا ما يثير الإعجاب في الأعمال الكبيرة الخالدة، مثل الغريب- ألبير كامو، والشيخ والبحر-أرنست همنغواي.

مغامرة الولدين بشأن نشر العمل تفتح باب الأسئلة، حول حق الورثة في التصرف على هذا النحو. وهنا يمكن رؤية المسألة عبر أكثر من زاوية، الأولى هي، قد يكون دافع الوالدين كسب المال فقط، وهذا يحتمل خيانة الأب. وربما كان الهدف مزدوجاً، كسب المال، وعدم ترك العمل يتعفن في الأدراج، ليجري نشره في وقت آخر. والزاوية الثانية هي، إن أي حكم ليس في صالح الرواية، يسجل ضدها فقط، ولا يقلل من قيمة ماركيز، الذي يعرف العالم أنه أصيب بالمرض الذي لم يترك له المجال لمراجعتها، وهذا تكنيك معمول به لدى كافة الكتاب، فليست هناك كتابة أولى نهائية، بل تخضع كل الأعمال لإعادة كتابة مرة ثانية وثالثة، وربما أكثر. وقد يساعد المحرر في بعض جوانب هذه التقنية، لكن من المؤكد، ليس في حالة ماركيز المعلم الكبير في هذا الميدان.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها