تحت عنوان "انتظار"، افتتح معرض الفنان السوري محمد عمران في غاليري Art on 56th، ويضم باقة من الأعمال الفنية المتنوعة بين اللوحات والمنحوتات، ولعله المعرض الفردي الأول للفنان في لبنان بعد سلسلة معارض في سوريا وفرنسا.
استطاع عمران بناء علاقة وثيقة مع كائناته، بحيث أضحى ملاذها هو ذاتية الفنان، والمفعل لتكاملها التدريجي انجذابه نحو التعبير، كائنات تائهة اصطنعت ليتوقف الزمن عند محاجرها الفارغة، لتقف بالصف الأفقي كما لو تنتظر رصاصة الاعدام، تبتسم ابتسامة سوداوية ويعلو محياها القلق، في لوحات اختار الفنان في معظمها اللونين الأسود والأبيض، مع ترك مساحات حرة فارغة في الأعمال الفنية لا تضر بتوازن العمل الفني بل لعلها تدع مجالا أرحبا للتنفس، ولحرية البصر، والتركيز على الشخوص الموزعة بعناية في الفضاء الفني.
يبدو المعرض في قسمين: الأول يضم اللوحات التي عالجها الفنان بذائقة تعبيرية وقادة، وجنوح نحو التركيز على ضياع مفهوم الانسان في العصر الحالي، وقسم آخر يتمثل للنحت، ويغلب عليه طابع السخرية من الذات والمحيط معاً، فالرجل الجاثم على المرحاض (منحوتة) مع ما تمثل من جرأة في التقديم، فهي قد تسلط الضوء على ازدراء بعض المسلّمات إن في مجال الفن او المجتمع، في مكان قد يجد له طريقا ينشق بعض الشيء عن التعبيرية ولعله يقع نسبيا في مجال السريالية.
نتلمس في بعض أعمال الفنان جنوحاً نحو البيئة الأولى والذاكرة التي عاشها في دمشق، فالطربوش والمقهى وغير ذلك من الشواهد تدل على رغبة الفنان بتسليط الضوء على أمكنة وأشخاص وواقع انساني واجتماعي نشأ في وسطه، وعبر عنه بأسلوبه الخاص. هذا ويبرز في أعمال عمران الشكل والخط مع اقتصاد نسبي باللون، بطريقة تقرب الشخوص من الذهن والقلب معا، وتستدعي التفكر في طبيعة اصطفافهم، كما لو أن الرائي ينظر نفسه في المرآة عاريا من كل العوائق والرواسب، أو ربما هي رغبة الفنان باستبطان الذات وتحويرها وإعادة قولبتها بالشكل والخط لإبرازها وفق ما يشاء.
تكتسب أعمال عمران بُعداً ايمائياً، يتبلور كانسحاب مباشر لحالة الفنان النفسية وذائقته وانفعاله، فهو يعبر عن قلق عاطفي، والتزام اجتماعي في الآن عينه. وقد يبرز عمران هاجس الذات مواكبا لهاجس الجسد، ولعل تلك الهواجس تتبلور أولا بطبيعة الفكرة التي على أساسها أطلق المعرض، فالذات تتمحور حول نفسها وتخرج من شرنقتها في ظل الأزمات التي تعصف بالانسان في العصر الحالي، وتتركه تائها ضائعا مأزوما يميل إلى الوحدة واجترار آلامه وهمومه وحيدا، أما الجسد فهو المعبد والهيكل والملجأ الذي رغب الفنان بإظهاره في أعماله متحررا من الأصفاد ولائذاً نوعاً ما بالعُري، وراغبا بالتحرر، وكسر القيود والتبعية والانسحاق. شخوص عمران يتوافر لها البعدين، فهي كائنات قلقة حائرة تائهة من جهة، وهي ذوات تنحو باتجاه التحرر من جهة أخرى، في ثنائية ذكية نجح في قطف ثمارها الفنان وأظهرها في أعماله. أما البعد الاجتماعي فهو الخارج من طبيعة الذات نحو الآخر، وهو تآلف الشخوص الساخرة مع بعضها لتخرج وفق عبق تشكيلي متواكبة ومتوائمة في تصدير مباشر للعمل.
(*) يستمر المعرض حتى 4 آذار/مارس المقبل في غاليري Art on 56th- الجميزة
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها