صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب الدكتور عزمي بشارة "ثورة مصر"، في مجلدين بعنوانين فرعيَين.
الكتاب تاريخي تحليلي يستخدم مناهجَ متعددة في فهم بنية الدولة والمجتمع، وعلاقة الجيش بالسياسة، وتطور منصب الرئاسة في مصر وصولًا إلى ثورة يناير، كما يعدّ الجمهورية التي سادت في مصر حتى ثورة يناير، جمهورية واحدة يسمّيها يوليو، ويقسمها إلى مراحل ذات ميزات خاصة بها. لا يكتفي البحث في الثورة المصرية بتشخيص سبب من اسبابها بشكل منعزل او بحث حادثة بعينها. يقول المؤلف إنّه يدرك أنّ الكتاب طويل، ولكن لم يكن ممكنًا الإحاطة بتاريخ الثورة المصرية وتحليل خلفياتها الاجتماعية والتاريخية من دون توثيق مفصّل ودقيق. والكتاب يفترض أن يكون مرجعًا عن هذه الحقبة المهمة.
ليس الكتاب من نوع الكتب الصحافية التي يكتبها مؤلفون أجانب بعد مكوث فترة في مصر وإجراء بعض المقابلات. في تقديمه يقول بشارة إنّ الغرض منه إنتاج بحث توثيقي عن ثورة مصر 2011، وهذا محور الكتاب الذي يبدأ بعرض تاريخي لفهم السياسة والمجتمع والجيش في مصر، محدّدًا بصعود جمهورية يوليو وأزمتها التاريخية في نهاية عصر مبارك، معترفًا بصعوبة كتابة مقدمة تاريخية للثورة المصرية، لأنّ التاريخ المصري غير مجهول. لكن الكتاب يعيد سرده بطريقة مختلفة ملقيًا الضوء على زوايا مهمة متعلقة بطبيعة النخبة السياسية والتحولات الطبقية في مصر وعلاقة الجيش بالسياسة، وجذور الاستبداد وجذور الاحتجاج. اذ لا يمكن البدء بدراسة الثورة المصرية بيوم 25 كانون الثاني/ يناير 2011 والتحضير له، ولا حتى بانتخابات 2010 المزورة، أو بمقتل خالد سعيد، كما يفعل الصحافيون الاجانب احيانا... يل يفترض ان يعالج خلفياتها التاريخية، ثم ينتقل الى تكوّن الفاعلين التاريخيين ونشوء الحالة الثورية. وبعد عرض تاريخي تحليلي للثورة، تتمحور المهمة الرئيسة في الجزء الأول من الكتاب على تأريخ مسيرة الاحتجاج حتى 25 كانون الثاني/يناير 2011 وما بعده، حتى 11 شباط/فبراير 2011 وفقًا لمقاربات التاريخ المباشر، ما استدعى غوصًا في تفصيلات الحراك الثوري، توثيقًا وتحليلًا، لتقديم مرجع أكاديمي توثيقي للقارئ. ولا يكتفي الباحث بالاعتماد على الكتاب والمنشورات اعتمادا نقديا، بل يتجاوز ذلك الى التحقيق الاستقصائي المنهجي لغرض جمع المعطيات، فهو يختم الكتاب بقائمة بالمقابلات التي أُجريت مع الناشطين، وألّفت العمود الفقري لهذا العمل التوثيقي، وبفهرسٍ عامّ شامل.
في الفصل الأول من الكتاب خلفية تاريخية موجزة، يوجز بشارة الخلفية التاريخية التي أدت إلى اندلاع ثورة 23 تموز/يوليو 1952. ويقول لو كان على ثورة 25 يناير صوغ ذاتها بجملة واحدة لنطقت "مصر للمصريين فعلًا"، أي لكلّ المصريين لا لبعضهم، في استعادةٍ تاريخية لثورة المصريين ضد رهن مصر للديون الأجنبية، حين رفعوا شعار "مصر للمصريين" أول مرة، في أيام الوصاية الإنكليزية. ويستعرض التطور الذي عرفته القوات المسلحة المصرية من مؤسسة لا تتدخل في الشأن الداخلي إلى عنصر مؤثّر في القرار، توّج تأثيره هذا بثورة الضباط الأحرار. ثم يعرض بشارة بداية المرحلة الناصرية، وقرارات إلغاء دستور 1923، وحظر الأحزاب، وإنشاء هيئة التحرير، وصفقة الأسلحة التشيكية، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي، وإعلان الوحدة المصرية – السورية، والانقسام بين إعادة الحكم إلى المدنيين وإبقائه في أيدي العسكريين، ورفض مصر الانضمام إلى حلف بغداد، ونكسة 1967 وتنحّي عبد الناصر ثم عودته، وحرب الاستنزاف.
في الفصل نفسه، يسهب بشارة في وصف خيارات جمهورية يوليو، منطلقًا من أنّ ثمة "عناصر كثيرة مشتركة بين عهود مبارك والسادات وعبد الناصر، من حيث بنية الدولة والنظام الأمني السائد فيها ووجود حزب حاكم متداخل مع بيروقراطية الدولة، إلى جانب ملامح تدفعنا إلى القول إنّ هذه النظم الثلاثة في حقيقتها جمهورية واحدة، هي جمهورية 23 يوليو". ثم ينتقل إلى محمد أنور السادات والسلام مع إسرائيل وخروج مصر من دول المواجهة العربية، والتراجع داخليًا عن النظام الاشتراكي، وصولًا إلى مقتل السادات، وتبوّؤ حسني مبارك سدة الرئاسة، لتنتقل مصر بعدها إلى عهد حزب الرئيس، والاعتماد على الجيش والأمن لحفظ النظام، والتحالف مع الولايات المتحدة. ينتقل بشارة بعدها إلى تناول التحولات في الجيش المصري: من هيمنة العسكر وتداخل سلطات الجيش والرئيس، إلى خضوع الجيش لمنصب الرئاسة، إلى استقلالية الجيش، ثم يتناول الجانب الاقتصادي مسلّطًا الضوء على اللبرلة الاقتصادية والسلطوية السياسية في مصر، وانتقال السلطة والمجتمع من التعاضدية الناصرية إلى تكريس الزبائنية، وصعود طبقة رجال الأعمال، انتهاءً بتردي الأوضاع الاجتماعية في عهد مبارك. الى الفصل الأول يضم الكتاب اربعة فصول 2. لم يكن شعب مصر خاملًا قبل 25 يناير: موجز تاريخ الاحتجاجات في مصر الحديثة، 3. ثورة 25 يناير: العبور الكبير من الاحتجاج إلى الثورة - تاريخ وتوثيق، 4. يوميات الثورة المصرية في المحافظات خلافًا للانقلاب... لم تقتصر الثورة على القاهرة، 5. عن شباب الثورة: أرقام ذات مغزى.
في الجزء الثاني يتابع بشارة توثيق الثورة المصرية، تحت عنوان من الثورة إلى الانقلاب، ويستعرض بعد مقدمة نظرية حول نظريات التحول الديموقراطي، المرحلة الدقيقة التي مرّت بها مصر؛ من تسلّم المجلس العسكري الحكم مرورًا بالانتخابات ومرحلة مرسي، وصولًا إلى الانقلاب، محاوًلا فهم أسباب تعثّر التحول الديموقراطي. هذا التعثر الذي أثّر في الثورات العربية كلّها. ويشرح مطولًا الفرق بين انشقاق النظام الضروري لإنجاح الثورة، وانشقاق قوى الثورة الذي حال دون إنجاح التحول الديموقراطي بوصفه مهمة تاريخية، وأدى إلى تغلّب الثورة المضادة. يكتب بشارة في أول فصول الجزء الثاني، وعنوانه بدلًا من مقدمة: "عند كتابة هذا الجزء من الكتاب كان كثر من شباب الثورة، من خيرة شباب مصر والأمة العربية، ممن قابلناهم حين إعداد الجزء الأول منه، قد زُجّ بهم في غياهب السجون أو فرّقتهم المنافي". ويضيف بشارة أنّ عملية إسقاط حسني مبارك تضمنت عنصرين: الثورة المدنية الديموقراطية والانقلاب العسكري الذي نفّذه الجيش على مبارك، "ويمكن القول إن تاريخ المرحلة الانتقالية بعد الثورة هو تاريخ صراع بين مكوّن الثورة ومكوّن الانقلاب الكامن فيها، وقد انتصر الانقلاب في النهاية". يتتبع الكتاب ديناميكية هذا الصراع وتحولاته والعوامل الذاتية والموضوعية التي تحكمت فيه، بما في ذلك ثقافة النخب السياسية في المعارضة.
ويضم الجزء الثاني من الكتاب عشرين فصلا هي: 1. بدلًا من مقدمة، 2. عن اليوم التالي، 3. الجيش يمسك بالخيوط، 4. المجلس العسكري وقوى الثورة، 5. إعلان التعديلات الدستورية والاستفتاء عليه، 6. ما بعد الاستفتاء، 7. فتن طائفية وظهور عامل القلق من عدم الاستقرار، 8. تسجيل الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية، 9. وثيقة السلمي وحوادث محمد محمود الأولى، 10. حوادث مجلس الوزراء و"عسكر كاذبون" ومأزق مجلس الشعب، 11. الجمعية التأسيسية للدستور وانتخابات رئاسية في أجواء من الفوضى، 12. عهد الرئيس الذي لم يحكم، 13. المعركة على الدستور والإعلان الدستوري، 14. الوضع الاقتصادي في المرحلة الانتقالية ورئاسة مرسي، 15. الإعلام الموجّه، 16. أحداث الفوضى... وإحداث الفوضى، 17. الطريق إلى الانقلاب، 18. بعد الانقلاب: المكتوب يُقْرأ من العنوان، 19. المواقف من الثورة والديمقراطية: اتجاهات الرأي العام المصري خلال المرحلة الانتقالية وبعد الانقلاب، 20. المواقف الدولية من المرحلة الانتقالية والانقلاب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها