قبل أيام من موعد الاستحقاق الإنتخابي في "الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة" لاختيار هيئة رئاسية جديدة؛ قفز اسم السياسي الحمصي موفق نيربية إلى الواجهة، كمرشح عن "الكتلة الديموقراطية" في مواجهة المرشح الآخر المحتمل رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب.
"المدن" التقت نيربية في مقر الكتلة الديموقراطية في اسطنبول وكان معه الحوار التالي:
نبدأ من وضع الائتلاف اليوم، لماذا هذا التشرذم داخل الائتلاف ولماذا هذا الرفض الشعبي؟
سوريا في مأزق، الثورة في مأزق، الائتلاف في مأزق والجيش الحر في مأزق. نحن وصلنا إلى عنق الزجاجة. مواصفات الثورة في العام الأول كانت باهرة، من ناحية إحياء إمكانيات الشباب السوري بأن يفكروا بشكل ثوري وقيادي، وأن يكونوا مستعدين للتضحية حتى النهاية، وبعقل تنظيمي أيضاً. بعدها أجبرنا النظام بسلوكه على حمل السلاح، وهذا أمر طبيعي نتيجة سياسات النظام الأمنية والعسكرية، ثم ضغط النظام بالمسائل الطائفية ثم باتجاه توليد العقل المتطرف والإرهاب.
ومن ناحية أخرى، لم نحظ بمساعدة أصدقائنا وأشقائنا كما يجب. ساعدونا ونشكرهم على ذلك، لكن الحقيقة كارثتنا ومأساتنا أكبر من المساعدة التي قدموها لنا. فنحن الآن أمام مفترق عام، ولد الائتلاف ليكون قيادة سياسية لقوى الثورة والمعارضة، ولكنه ولد بظروف غير صحية أبداً، ناتجة عن تاريخ "المعارضة الخبيرة". ورغم إيجابية هذه المعارضة، فإن داخل خبرتها هنالك رواسب وأمراض الفترة الماضية كلها. وفي نفس الوقت لدينا ثوار شباب وكوادر رائعة، لكنها لم تصل إلى مستوى تسلم القيادة. وحاول الائتلاف أن يجمع بين القوتين، لكن بشكل غير صحي حتى لا أقول كلمة أخرى. ثم عاد الائتلاف وغرق في علله القديمة كالفردية والتمسك بالمكاسب والأمور الشخصية.
الائتلاف أنجز الكثير وظهر ككيان شرعي يمثل السوريين، لكنه كيان غير مقنع ومن حق الناس أن تغضب. عندما يتحدث شخص ما بشكل سلبي أعتبر هذا أمراً صحياً، لكن عندما يمتدح أحد ما الائتلاف فهذا الأمر غير سليم. الآن نحن أمام مفترق، وكما يقال فقد بلغ السيل الزبى، فإما أن ينتقل الائتلاف إلى العتبة التي يمكن الانتقال منها إلى التغيير الحقيقي في كل هذه الوقائع، أو أنه سيتجه إلى الانحدار أكثر نحو الهاوية، وربما يفقد شرعيته، ليس أمام الحلفاء والأصدقاء، لكن أمام الشعب السوري.
ما هو برنامجك للائتلاف في حال كسبت الانتخابات؟
بشكل عام ننطلق أولاً من رؤية سياسية، يمكن تلخيصها بثلاث نقاط:
النقطة الأولى؛ هي استمرار وتكثيف العمل من أجل اسقاط النظام، مع الربط بأن بديل هذا النظام هو الإنتقال إلى دولة مدينة ديموقراطية حديثة، وليس الإرهاب أو الفوضى.
النقطة الثانية؛ هي أن الشعب السوري قد تعب، فلقد مرّ بكارثة، ولن أتحدث عن أعداد الضحايا والشهداء والمهجّرين. لذا نحن بحاجة إلى وقف سفك الدم والتدمير بأسرع ما يمكن، شرط أن يضمن ذلك تحقيق أهداف الثورة. بمعنى أننا حريصون على أي مسار سياسي، ينهي الوضع مع تحقيق دولة ديموقراطية تنهي الاستبداد.
النقطة الثالثة؛ هي أن التطرف والإرهاب أصبح خطراً داهماً، يجب أن نكف عن غض الطرف عنه، وننتبه له. كان لدينا خطر واحد أصبح لدينا خطران، كان لدينا خصم واحد أصبح لدينا خصمان.
أما في ما يخص الائتلاف نفسه: فالنقطة الأولى؛ تتضمن أن يسير خطوة أولية كافية لإصلاح نفسه، عن طريق مأسسته التي تكلمنا عنها طويلاً ولم تحدث. يعود ذلك إلى أن النظام الأساسي للائتلاف "معصلج"، ويمنع تنفيذ مادة بسبب مادة أخرى، كونه وضع على قياسات وأهداف وأهواء. هنالك مواد في النظام الأساسي لم تنفذ، لأن هناك مواد أخرى تمنع تنفيذها. هذه العُقد إذا استطعنا فكها قبل أن ننتخب سنكون قد حققنا خطوة هامة.
النقطة الثانية، هناك إشكال قانوني في الائتلاف: يجب وضع إطار قانوني للعلاقة بين الائتلاف والحكومة المؤقتة، يجب وضع نظام محدد لتوضيح هذه العلاقة بينهما. فالائتلاف هو جهاز قيادة سياسية وسيادية، وفي نفس الوقت هو سلطة تشريعية. في حين أن الحكومة هي جهة تنفيذية يجب إعطائها الحد الأكبر من السلطات التنفيذية حتى تتحرك. ويجب تأمين الدعم لها بعيداً عن المشاكل التي مرت بها في الفترة السابقة.
نحن بحاجة إلى إعادة إحياء مدنية الثورة، إعادة إحياء الروح لدى الشعب السوري. إذا أعطانا الشعب السوري نسبة مئوية ضئيلة من الثقة المفقودة بعد الاجتماعات في الأسبوع المقبل، إذا أعطانا واحدا في المائة، إذا أحس أن هنالك احتمالاً بالأمل بعد هذه الاجتماعات، نكون قد نجحنا في أن نبدأ في طريق التغيير. وهذا يحتاج إلى الشفافية والعلنية، كما يحتاج إلى العلاقة المباشرة مع ألاف القوى والتجمعات داخل سوريا وحولها. نحن بحاجة إلى إنشاء شبكة علاقات متينة معها، لإحياء روح الثورة، لتحقيق أهداف الثورة.
لدينا إشكال في ملف المجالس المحلية، إذ أنشأ الائتلاف مجالس محلية في كل الأماكن التي وصل إليها، وبعض هذه المجالس إما وهمي أو نخره الفساد. وهناك ممثلو بعض المجالس المحلية يتشبثون بمقاعدهم في الائتلاف، رغم سحب المجالس ذاتها صفتهم التمثيلية. هذا الأمر بحاجة إلى حل موضوعي لناحية تطوير المجالس، ورفع مستوى أدائها لنتخلص من العلل الموجودة لدينا.
وإضافة إلى ضعف الأداء الإعلامي للائتلاف الوطني، لم ننجح في دعم وتطوير الفئات الإعلامية التي نشأت في ظل الثورة، وجزء منهم فقدوا روح العمل.
بمعنى آخر محاولة مأسسة الائتلاف، وألا تبقى القيادة بيد مجموعة مغلقة أو فرد محدد، وإنما أن يكون العمل مشتركاً بين الجميع، وكل ذلك تحت الحساب والرقابة.
الموقف الدولي يتغير بسرعة من الأزمة السورية ومن الائتلاف، كيف تقرأون هذا الموقف المتغير؟
أصدقاؤنا في المنطقة والعالم لديهم مواقف لا تساعدنا كثيراً. ربما يكون هنالك صديق لنا لا يحب الديموقراطية كثيراً، وليس حريصاً على نشرها، ولكنه يتعاطف مع الشعب السوري ويرى أن الأسد أصبح عقبة في المنطقة ويجب إزالته.
دول العالم إذا استثنينا روسيا وإيران، تتحرك من خلال قوة المصالح والرأي، والإدارة الأميركية لديها أزمة مع الشعب الأميركي نتيجة الفشل في أفغانستان والعراق. الإدارة الحالية حاولت إزالة آثار هذه الازمة، لذلك التدخل في سوريا أصبح مرفوضاً لديها. ومن جانب آخر، ضعفُ واقعنا كمعارضة في سوريا، لا يشعر الغرب أن البديل أصبح جاهزاً. لديهم مصالح مرتبطة بإسرائيل والنفط واستقرار المنطقة بشكل عام، ويشعرون أننا غير جاهزين، وهو الأمر المستغرب من قبلنا. فلقد استطعنا في عام 2007 أن نعقد المجلس الوطني لإعلان دمشق داخل العاصمة، ليكون بديلاً مستعداً في أي حالة طارئة. نحن مستعدون لكننا لم نقنع أي أحد بعملنا وبواقعنا، لا في الداخل ولا في الخارج. أصبحنا نردد كلمة إسقاط النظام، لكن لماذا؟ هل فقط من أجل الانتقام من هذا الوحش، أم من أجل مستقبل أفضل لأولادنا؟ لكننا توقفنا عند هذا الشعار، ولم نعد نقدم أي أمل للشعب السوري، ولم نعد نقدم أي تطمينات للجميع، وخاصة الموزاييك السوري. في حين كان يجب أن نكون مستعدين للحظة انهيار النظام، بأن يكون لدينا خطط للمرحلة الانتقالية، تطمئن الجميع وليس فقط أن يتحرك الدم والفوضى، قصرنا كثيراً في هذا الموضوع.
داعش أعلنت قيام دولة الخلافة الإسلامية منذ أيام، وجون كيري طلب من أحمد الجربا أن يكون الائتلاف جزءاً من الحرب على داعش، ما هي خطتكم لمواجهة داعش؟
نحن في وضع لا نحسد عليه، نحن نواجه داعش على الأرض وكذلك نواجه النظام، لكن مروحة عريضة من القوى، تتراوح من قوى اتسمت بالتطرف والإرهاب، إلى قوى أكثر تماسكاً ووطنيةً بشكل عام. وبين هذين، هناك الكثير من أمراء الحرب. نحن في وضع عسكري لا نحسد عليه، لكن أمامنا وحشين هما النظام بكل ممارساته، والوحش الجديد المسمى داعش، والذي يريد أن يبنى على دماء السوريين دولته المزعومة. وهذا الوحش مستورد، وشجع على استيراده الواقع السيء الذي وصلناه، وضعف الدعم الذي وصلنا. كما شجع عليه النظام بأشكال مختلفة، ومنها تركيزه على ضرب المعارضة المعتدلة، وإهمال القوى المتطرفة لأن النظام لا يشعر بعداء نحوها كما هي لا تشعر بعداء تجاهه. هذه القوى المتطرفة تقوم بمهمة وضعت أمامها، وهي تظن أنها تنقذ العالم، كما ظنّ كل الإرهابيين في التاريخ.
الآن انتقل الأمر إلى العراق واختلطت الأوراق. نحن نعتبر داعش وملحقاتها خطراً على سوريا والعراق والمنطقة والعالم. وعلى الجميع أن يكون فاعلاً في مواجهة هذا الإرهاب. لكننا نشترط على الجميع أن يكونوا واعين لرأس الفتنة وهو النظام؛ هو رأس الإرهاب ومنبعه وسببه. كيف يمكن أن نتحرك الآن؟ هل ننشط كما يريد الأميركيون؟ لا، لكن يجب أن يكون هناك تنسيق وتناغم بين الناس في مواجهة داعش. وحدنا لسنا قادرين على هذه الحرب وداعش هي خصم بكل الأحوال.
قلت إنكم لن تتحركوا كما يريد الأميركيون، ماذا يريد الأميركيون؟
الأميركيون يشعرون الآن بخطر داعش، وخطر التقسيم والتفتت، وخطر استفحال الصراع بين القوى السنية والشيعية. ومن المؤكد أنهم يشعرون بذلك الآن بشكل أوضح. وإذا كانوا لا يرغبون بالتورط مرة ثانية، فإنهم الآن أمام مشكلة جدية ولا بد من تحرك ما. أرى أن الأميركيين يريدون إنهاء خطر داعش في العراق كما في سوريا. وحتماً هم يرون أن النظام خطر في هذا المجال. أعني الحرب على الإرهاب. وربما يزداد الاهتمام الأميركي بالقضية السورية نتيجة لخطر داعش. وهم بحاجة إلى أن نكون أقوى وأكثر فعالية، ونحن نقول لهم نحن بحاجة إلى دعمكم أكثر.
نصف مليار دولار هي لمواجهة داعش أم مساعدات إنسانية؟
لا، هذه المساعدات لها علاقة بدعم المعارضة المسلحة كما جاء في نص المشروع، وهذه العلاقة هي التدريب والتسليح للمعارضة المعتدلة.
هل سيكون هناك أي مفاوضات مع النظام؟
الأفق مغلق حالياً، النظام أفشل جنيف-2، ذهب إلى المفاوضات ليفشل جنيف-2 لأنه غير مقتنع بجنيف-1 أصلاً. فالنظام مقتنع أنه قادر على حسم المعركة عسكرياً كما يفضل دائماً. يجب أن يقتنع النظام بقوتنا، ومن خلال الآخرين، يجب أن يصل إلى قناعة بأنه عاجز عن الحسم عسكرياً.
كلمة أخيرة للسوريين؟
لا تطولوا بالكم علينا، راقبونا وأعطونا فرصة ولنعمل جميعاً. وحين تلاحظون أننا لا نعمل كما يجب، لا تترددوا أبداً في رفع صوتكم ضدنا. فجوهر الموقف أن يعود الشعب السوري إلى إبداء رأيه بشكل واضح ليشارك في صناعة مستقبله.
وعلى المستوى الشخصي، إذا عاد الشعب السوري إلى المشاركة في صناعة القرار، أكون قد نجحت في مهتمي، سواء فزت في الانتخابات أم لا.
من هو موفق نيربية؟
موفق نيربية إنسان سوري، كان قدره أن يبدأ العمل السياسي مع هزيمة حزيران. حينها كان عمري 17 عاماً، وحركتنا القضايا القومية والوطنية والاجتماعية. في عام 1968 كنت في جامعة دمشق واندمجت في الحركة الطلابية، في السبعينيات أدركنا أن الحل في سوريا علاقته ليست بالبعد الوطني والقومي فقط، بل أن يكون للشعب دور فيه. منذ منتصف السبعينيات تحولت مفاهيمي نحو الديموقراطية والحرية، واعتقلت من عام 1980 إلى نهاية 1984. وبعدها كان هناك حالة داكنة سياسية سورية مع استشراء تسلط النظام الأمني، حتى العام 2000، عندما مات حافظ الأسد، حيث شاركت في ربيع دمشق. وساهمت في إخراج بيان التسع وتسعين إلى النور، وكان بداية ربيع دمشق. ثم شاركت مع (مجموعة) إعلان دمشق في حمص. وفي أوائل 2007 كلفت برئاسة اللجنة التحضرية لعقد المجلس الوطني للإعلان. وكان لي دور في صياغة وثائق المجلس وقتها، عبر توفيق الآراء المختلفة، ضمن معارضتنا المليئة بالأمراض والترسبات والعلل الموروثة ذات العلاقة بالاستبداد. وبعد عقد المجلس الوطني للإعلان أصبحت مطارداً ومتخفياً، واستمر ذلك حتى الآن.
في عام 2012 أصبحت عضو مكتب تنفيذي في تيار مواطنة، وشاركنا في الثورة بكافة تجلياتها الإغاثية والسياسية. ثم أصبحت عاجزاً عن الحركة نهائياً بسبب مطاردتي، وأقنعني بعض الأصدقاء بمغادرة سوريا، حيث رحلت إلى تركيا، بمساعدة تركية ألمانية كوني لا أحمل جواز سفر. وأصبحت ممثلاً عن تيار مواطنة في الائتلاف، وبقيت تسعة أشهر
عضواً في الهيئة السياسية للائتلاف.