نشرت صحيفة "واشنطن بوست" أن جنوداً عراقيين يتدربون على أيدي أميركيين يصرخون "بانغ بانغ"، للتظاهر وكأنهم يطلقون النار أثناء التدريبات، في ما يقوم أحد المدربين الأميركيين بقرع مطرقة على سطل من التنك لخلق جو مشابه للمعركة. وهذا النوع من التدريبات غالباً ما يتم بالرصاص الفارغ، لكن مخيمات التدريب الأميركية في العراق تفتقد الذخيرة، وهو ما يجبر المدربين على الطلب من المشاركين بالصراخ والتظاهر بإطلاق النار.
مسرحية مضحكة هي معسكرات التدريب التي أعدها الاميركيون لتدريب القوات العراقية، في وقت أشارت الأنباء إلى وصول 400 مدرب إلى كل من تركيا والسعودية والأردن للبدء بتدريب "خمسة آلاف مقاتل سوري من المعارضة المعتدلة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية فقط".
والحديث عن تدريب عراقيين وسوريين كان بدأ مع أولى الضربات الأميركية الجوية ضد داعش، الصيف الماضي، وكان من المقرر أن يؤدي الى إقامة "حرس وطني" مؤلف من مقاتلي عشائر غرب العراق السنية، يكون تحت امرة الإدارة محلية، فضلاً عن إنشاء قوة سورية مقاتلة تابعة لـ "هيئة الأركان العامة"، المنبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
لكن حكومة العراق الاتحادية برئاسة حيدر العبادي، رفضت – على الأرجح بتعليمات من طهران – قيام قوة سنية مستقلة، وأصرت على ربطها بوزارة الدفاع، ما جعل استقطاب العشائر السنية العراقية أمراً معقداً.
وفي سوريا، وجّهت طهران تحذيراً مباشراً لواشنطن مفاده أنها تعتبر إشرافها على تدريب وتسليح الثوار عملاً عدائياً يؤثر على مجرى المفاوضات النووية ويعرقل الحل السياسي السلمي في سوريا، ما دفع إدارة الرئيس باراك أوباما الى التراجع وتقليص الميزانية الاساسية من 500 مليون دولار للعام 2015 الى 225 مليوناً. كذلك، صارت واشنطن تصر على ربط رعايتها قيام القوة السورية بحصر نشاطها القتالي بمواجهة داعش و"جبهة النصرة" فقط، وهو ما يرضي طهران.
"نحن نعطي صفوفاً حول المشيئة للقتال"، يقول أحد المدربين الاميركيين الذين شاركوا في تدريب الجيش العراقي، بتكلفة بلغت أكثر من 25 مليار دولار، في العامين 2007 و2008. ومنذ ذلك الحين، تنفق وزارة دفاع العراق أكثر من سبعة مليارات سنوياً، وهي من أعلى موازنات الدفاع في العالم مقارنة بناتج النمو المحلي.
ولكن لماذا ينجح المدربون الأميركيون في العراق أو سوريا هذه المرة بعدما باءت جهودهم في التدريب، منذ حوالي العقد، بالفشل؟ ولماذا تنجح مسرحيات التدريب الصوتية حيث فشلت التدريبات الفعلية، التي أفضت إلى تزويد العراقيين بأرفع أنواع الأسلحة، والتي أدت إلى هروب العراقيين من مسرح القتال وتركهم العتاد والأسلحة لداعش على إثر "غزوة الموصل" في 8 حزيران-يونيو الماضي؟
واشنطن ربما تعرف الإجابة ولكنها تفضل السكوت، ورعايتها برامج تدريب صورية تهدف إلى تخفيف ضغط حلفائها العرب وتركيا، من دون إنشاء قوات عراقية أو سورية مقاتلة قادرة على طرد داعش وابقاء أي قوات غازية، غير داعش، خارج بلداتها وقراها.
طهران، بدورها، تعرف الإجابة، وغالباً ما يرددها مسؤولوها بالقول إن "لا مشيئة قتالية" لدى الجيوش الحكومية والنظامية، التي أثبت الاحداث المتعاقبة أنها غالباً ما تنهار وتلوذ بالفرار، في الغالب قبل السكان. لذلك، تعتقد إيران أنه لتحفيز "المشيئة القتالية"، التي يعتقد المدربون الأميركيون أنه يمكنهم تلقينها للمقاتلين في صفوف وكراسات، لا بد من إقامة وحدات مقاتلة عقائدية، أو مجموعات مسلحة مكونة من "الأهالي" الذين يمكنهم وحدهم أن يذودوا في الدفاع عن أرضهم، حتى أنه يمكن تطوير عقيدة الدفاع والاستشهاد هذه وتحويلها إلى حرب "دفاعية وقائية"، على غرار تلك التي يصور "حزب الله" اللبناني لمناصريه أنه يخوضها في سوريا.
وفي ما تسهر "الجمهورية الإسلامية" على إنشاء ورعاية مجموعة متنوعة من الميليشيات غير الحكومية العقائدية، على غرار "لواء أبو الفضل العباس"، و"جيش المهدي"، و"لواء بدر"، وغيرها، وتسعى لإقامة قيادة موحدة لها تحت اسم "ميليشيات الحشد الشعبي"، وتفرض على الحكومة العراقية رعايتها وتزويدها بأسلحة الجيش العراقي، الأميركية الصنع، تبدو واشنطن كسولة ومترددة وخائبة، فتستغرق المصادقة على برنامج "تدريب وتجهيز" ثوار سورية أكثر من ستة شهور، تليها أسابيع طوال لتوقيع اتفاقيات مع الحكومات المستضيفة مخيمات التدريب، وأسابيع أطول لوصول طلائع المدربين، وحتى عندما يصل المدربون الأميركيون، يصلون من دون ذخائر ولا أسلحة، بسبب تجربة الجيش العراقي في الموصل الذي أوصل فشله السلاح الأميركي الى أيدي داعش.
منذ العام 2003، لم تنجح الولايات المتحدة في إقامة أي قوة مسلحة – لا حكومية ولا غيرها – قادرة على القيام بأي دور يذكر؛ لذا، لا سبب يدعونا للاعتقاد أن تكرار التجربة نفسها سينجح هذه المرة، أو على قول المثل العامي الشائع "من جرب المجرب كان عقله مخرب".
"لقد مر عام على عدم قيام الولايات المتحدة بأي مجهود لإنهاء الحرب السورية، في وقت تستمر الإدارة في عدم تقديم أي استراتيجية لإنهاء اعتداءات النظام على القوات السورية المعتدلة التي تعتمد عليها أميركا لقتال الدولة الإسلامية"، تقول "واشنطن بوست" في افتتاحيتها. "لقد تجاهلت إدارة (أوباما) التقييمات التي تشير إلى أن برنامجها لتدريب القوات السورية هو برنامج صغير جداً، وبطيء جداً" تختم الصحيفة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها