أظهرت تصريحات أدلى بها قائد المنطقة الاوروبية في الجيش الاميركي، رئيس قوات "تحالف الاطلسي" الجنرال فيليب بريدلوف، أن ادارة الرئيس باراك أوباما مازالت مرتبكة في كيفية التعاطي مع قرار روسيا بالتورط العسكري المباشر في سوريا. ومما قاله الجنرال الاميركي، على اثر اجتماع للتحالف انعقد في اسطنبول السبت الماضي، إن العواصم الغربية لا تفهم حتى الآن خطة موسكو المقبلة في سوريا.
وقال بريدلوف: "لا نفهم حتى الآن ماذا تريد روسيا فعله في سوريا.. لقد سمعنا حتى الآن عدداً من التكهنات حول المهمة الروسية، وتراوحت (التكهنات) بين اهداف انسانية وعمليات قتالية، ما يدفعنا للانتظار حتى نرى ما هو هدف روسيا النهائي". وتابع الجنرال الاميركي: "اكثر ما يقلقنا هو ان يكون هدف العمليات الروسية دعم نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وافعاله الشنيعة ضد شعبه".
وجاءت تصريحات بريدلوف بعد اسبوع من إتصال أجراه وزير الخارجية الاميركية جون كيري، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، حذر فيه المسؤول الاميركي موسكو من مغبة التورط العسكري المباشر في سوريا، إذ من شأن هذا التورط، حسب كيري، ان يؤدي الى المزيد من القتلى والدمار.
وبين التصريحين سعت أميركا لدى حلفائها الاوروبيين الى اقفال مجالهم الجوي في وجه شحنات السلاح والوحدات الجوية العسكرية. لكن سعي واشنطن جاء من باب التباهي الاعلامي، إذ تعلم الحكومة الاميركية أن بوسع الروس إرسال شحنات الاسلحة والمقاتلات عن طريق اذربيجان- ايران - العراق، وهو ما يبدو الحل الذي اعتمدته روسيا لتفادي المرور في الاجواء الاوروبية.
في ايلول/سبتمبر ٢٠١٣، وعلى اثر المجزرة الكيماوية في الغوطة، وتحريك أميركا لقطع من اسطولها السادس المرابض في المتوسط، انسحبت فوراً قطع عسكرية روسية سبق أن رست في مرفأ طرطوس (وهو ليس قاعدة عسكرية، حسب الاميركيين). موسكو تعرف ان جيشها لا ينافس نظيره الاميركي، وتشير التقديرات الى ان القوة النارية للاسطول الروسي بأكمله توازي قوة الاسطول الاميركي السادس وحده.
ويعرف الروس أن جيشهم، الذي سعى الرئيس فلاديمير بوتين الى تحديثه مؤخراً، يعاني من ضعف كما بدا في عملياته العسكرية في جورجيا في العام ٢٠٠٨، والتي استغرقت أسابيع اكثر من المفروض. كذلك، لم يظهر الجيش الروسي تفوقاً يذكر في عملياته في مناطق شرق اوكرانيا المندلعة منذ العام الماضي. وبعدما اعلن نائب الرئيس جو بايدن نقل واشنطن لعدد من مقاتلاتها الى بولندا تحسباً لأي طارئ، على اثر ابتلاع الروس لشبه جزيرة القرم، هدد بوتين ضمنياً بالسلاح النووي، وهو السلاح الوحيد الذي يضمن لروسيا تعديل الكفة في وجه القوة الاميركية.
وعلى ضوء التفوق العسكري الاميركي التقليدي، ومقدرة أميركا على ليّ ذراع الروس عسكرياً في منطقة البحر الابيض المتوسط، يصبح السؤال، لماذا تتعامل واشنطن مع التورط الروسي العسكري المباشر في سوريا بهذه الطريقة المضطربة؟ إذ يقول الديبلوماسيون الاميركيون إنهم حذروا موسكو من مغبة التدخل، ويقول العسكر إنهم لم يحزروا اهداف روسيا بعد؟ وبين تظاهر ديبلوماسيي أميركا بالحزم وادعاء عسكرها الارتباك، تقف الولايات المتحدة متفرجة على مجهود عسكري روسي قد يتحول الى تدخل مباشر وواسع، وقد يغير من موازين القوى العسكرية على الارض السورية بشكل جذري.
الاجابة على السؤال تكمن في مقاربة الرئيس باراك أوباما لأي تدخل عسكري خارجي في سوريا، روسي ام ايراني. فأوباما، حسب مقابلاته المتعددة، يعتقد ان القوى الكبرى، مهما بلغت سطوتها، "تهان" عند دخولها في زقاقات الصراعات الداخلية في دول اخرى. أميركا نالت حصتها من الغرق في المستنقع العراقي فيما وقف منافسوها، الايرانيون والروس خصوصاً، يراقبون ويهللون. في سوريا، يعتقد أوباما ان روسيا وايران ستعانيان بشرياً ومالياً، فيما ستقف واشنطن متفرجة ومبتسمة.
وبعدما تدمى القوات الروسية والايرانية وتنهك في الحرب الاهلية السورية، ينتظر أوباما مخابرة من موسكو، وربما من طهران كذلك، إذ ستسعى العاصمتان الى التوصل الى حل سلمي سياسي ينهي معاناتهما في سوريا، حينذاك تصبح التسوية القاضية بخروج الأسد واتفاق المعارضة ونظامه على ادارة البلاد لمرحلة انتقالية حلاً قابلاً للحياة.
ولكن الى ان تنهك القوات الايرانية في سوريا، والروسية التي دخلت الحرب السورية للتو، سيعاني السوريون كثيراً.. اكثر مما عانوا حتى الآن، وسيقدمون دماء كثيرة، وهذا- في حسابات أوباما الاستراتيجية- أفضل من أن يقدم الاميركيون اموالهم ودماء جنودهم لمعالجة أزمة مستفحلة، يبدو أن العالم سيستمر في الوقوف متفرجاً على أحداثها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها