فجأة انهارت السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه. فعلى مدى الأسبوع الماضي، تلقت الإدارة الأميركية الصفعة تلو الأخرى بسبب ارتباكها في التعاطي مع سوريا والعراق، ولم ينقذها إعلانها استراتيجيتها للأمن القومي للعام 2015، وزاد في مأزقها تصريحات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي بدا وكأنه يعارض اتفاقية الإطار التي توشك مجموعة دول "خمسة زائد واحد" وإيران على الإعلان عنها.
أسوأ الأسابيع للسياسة الخارجية الأميركية بدأ باستفسارات من المشرعين حول المجهود الأميركي الحربي في العراق وسوريا في جلسات مغلقة، انعقدت على إثر طلب البيت الأبيض من الكونغرس اصدار قانون جديد يخول الحكومة "استخدام القوة العسكرية"، ويستبدل قانوني حربي أفغانستان والعراق.
وحسب التقارير المتواترة من أروقة الكونغرس، قام أعضاؤه – من الحزبين الجمهوري المعارض والديموقراطي – بممارسة "الشواء"، حسب التعبير المتداول، بحق مسؤولي الإدارة. وحاول بعض المشرعين الاستفسار عن اعلان الكرد تحريرهم الكامل لمدينة كوباني في شمال سوريا الشرقي. وبعد سلسلة من الإجابات غير الواضحة، رفع أحد المشرعين ورقة وقال "هذا بيان القيادة الوسطى، سبع غارات قرب كوباني، تلتها تسع غارات، تلتها 11 غارة. إذا كنا حررنا كوباني، فلماذا مازلنا نشن غارات عليها؟".
وتابع المشرع، بغضب "هذه نصف حرب على الإرهابيين وكأننا نقول لتنظيم داعش لا تؤاخذونا سنقصفكم قليلاً". وتابع المشرعون هجومهم على إدارة أوباما، وقالوا إن داعش مازال قادراً على شن هجمات في العراق، وأنه كان حتى الأسبوع الماضي يطرد شيوخ العشائر من السنة العراقيين المعادين له، ويقتلهم.
ومن المآخذ على الحكومة الأميركية بطء برنامج "تجهيز وتدريب المعارضة السورية المعتدلة"، الذي تتحدث عنه الإدارة منذ الصيف الماضي والذي لا يبدو انه أثمر حتى الآن. واعتبر أحد أعضاء الكونغرس أن أي إنجازات حققها "الجيش السوري الحر" ضد داعش، أو قوات الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت بمجهود ذاتي وقدرات متواضعة، "فيما نحن نعلن في كل مرة وقف مساعداتنا المتواضعة لهم في كل مرة ينجح خصومهم في توجيه ضربات لهم، بدلا من ان نفعل العكس".
ولم تكد الإدارة تفق من هجوم الكونغرس عليها، حتى تصدر الصحف الأميركية استطلاعاً قامت به مجلة "فورين بوليسي" وشمل أكاديميين متخصصين في السياسة الخارجية في أبرز الجامعات في الولايات المتحدة. وأظهر الاستطلاع ان المتخصصين يعتقدون أن وزير الخارجية جون كيري هو الأقل فاعلية بين وزراء الخارجية الأميركيين على مدى السنوات الخمسين الماضية.
تلى الاحراج الذي طال كيري إطلالة "مستشارة الأمن القومي" سوزان رايس، في معهد بروكنغز للأبحاث، للإعلان عن استراتيجية الإدارة للأمن القومي للعام الحالي. ولم تقدم رايس ما هو جديد، حسب غالبية المتابعين، وكررت الحديث عن خطة واشنطن "لإضعاف قدرات" داعش، ولتسليح المعارضة السورية المعتدلة، وللتوصل الى حلول سياسية في سوريا، ودبلوماسية مع إيران، وبين بين في أوكرانيا.
وكتب الصحافي ايلاي لايك في "بلومبيرغ فيوز" أنه في خطاب رايس، وردت كلمة أن أميركا "تقود" أو "قيادة" أكثر من 100 مرة، "فيما كان في الخطاب الكثير من كلمات تدريب وتجهيز"، حسب الصحافي الأميركي، الذي ختم متهكما بالقول: "كونوا مطمئنين، فكل جهودنا (الأميركية) هي دائما شاملة".
وبينما كان كيري يعقد اجتماعات متكررة، على هامش "مؤتمر الأمن" في ميونيخ، مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وفيما بدا أن المفاوضين يتجهون لإعلان "اتفاق إطار"، قبل أو مع حلول 24 من الشهر المقبل، يليه إبرام اتفاقية نووية دائمة مع إيران قبل انقضاء شهر حزيران/يونيو المقبل، أطل خامنئي في خطاب لينسف هذا الترتيب، وليطلب اتفاقية واحدة مفصلة تؤدي الى رفع فوري وشامل للعقوبات الاقتصادية الدولية على إيران، في مقابل وضع ضوابط تجبر الإيرانيين على إبقاء برنامجهم النووي بعيدا مسافة عام من انتاج قنبلة نووية.
وإنقاذا لبعض ماء الوجه، كان كيري، الذي يدرك ان غالبية الكونغرس الساحقة بغرفتيه وحزبيه ستنقلب على أوباما وادارته في حال عدم التوصل الى أي نتائج مع حلول 24 آذار/مارس، قال إن لا تمديد جديداً لأي مفاوضات بعد هذا التاريخ، أي أن الطرفين مجبران على التوصل الى أي نوع من الاتفاق – مرحلي ام نهائي – مع حلوله. ولكن مع قضاء خامنئي على فكرة اتفاق الإطار المرحلي، يصبح كيري مجبراً على تقديم اتفاقية نهائية ترفع العقوبات بأكملها، وهو ما سيكون من الصعب على أوباما وإدارته تسويقه سياسياً في واشنطن في هذه المدة الزمنية القصيرة.
ولأنه يبدو أن أوباما عقد كل آماله في سياسته في الشرق الأوسط على اتفاقية مع الإيرانيين، ولأن التوصل لهكذا اتفاقية صار يبدو أكثر تعقيداً، شنت غالبية الأميركيين المعنيين بالسياسة الخارجية هجوماً على الإدارة الحالية، واتهموها بعدم تقديم أي خطط بديلة في حال فشل الدبلوماسية مع الإيرانيين.
وقال الخبراء، الذين أطلوا عبر الاعلام، إن الجزء الأساسي من القضاء على داعش يرتكز الآن على ميليشيات شيعية موالية لإيران، وأن الحل في سوريا ربطته الإدارة بالتوصل لاتفاق مع طهران، وكذلك يبدو الوضع في اليمن. وتساءل الخبراء بالقول إنه إذا انهارت المفاوضات مع الإيرانيين، يصبح خيار أوباما الوحيد "مشاهدة طهران وهي تبتلع المنطقة، فيما المقاتلات الأميركية تشن نصف حرب ضد داعش، ولا تعرف بالضبط أهدافها، ويمكنها بالكاد إبقاء الدول الحليفة في التحالف".
كلمة ذلك المشرع في الكونغرس "لا تؤاخذونا سنقصفكم قليلاً" تختصر ارتباك أوباما وإدارته، وربما يمكن تحويرها لتجعل إدارة أوباما تتوجه الى العالم بالقول: "سامحونا فنحن لا ندري ماذا نفعل".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها