بلهفة وترقب، يمازجهما توجس وشك، تلقف موالو النظام السوري في اللاذقية، التصريحات الأخيرة لوزير العدل نجم الأحمد، المبشرة بـ"قرب الاحتفال بتحرير عدد كبير من المخطوفين لدى الميليشيات المسلحة".
تصريحات حرّكت الأمل عند عائلات مخطوفي ريف اللاذقية الشمالي، "الفئة الأكثر ظلماً واهمالاً" من قبل النظام، كما يصفون أنفسهم. فمرور أكثر من سنتين على اختطاف ذويهم، وتعنت النظام في الاستجابة لطلبات مقاتلي المعارضة مقابل الافراج عنهم، أدخل الأهالي مرحلة اليأس من هذه الحالة التي لا تبشر بانفراج، رغم الوعود الكثيرة.
بدأت القصة في 4 آب/أغسطس 2013، حينما اندلعت بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، معارك خاطفة قادتها قوى المعارضة المسلحة، وأدت إلى سيطرتها على 11 قرية دفعة واحدة. أعاد المقاتلون هذا الانجاز السريع، إلى خلو هذه القرى أصلاً من المدافعين عنها، الذين أخذوا للقتال في معارك بعيدة عن قراهم. من تبقى من الأهالي لم يقاوم مقاتلي المعارضة، الذين انسحبوا بعدها بأيام إلى مواقعهم، مصطحبين معهم أكثر من 100 طفل وامرأة من هذه القرى كرهائن.
المعارضة وعدت بإطلاق سراح الرهائن مقابل الافراج عن نساء معتقلات لدى النظام، ألقي القبض عليهن بحجة انتماء أفراد من أسرهن لتنظيمات "إرهابية" على رأسها "جبهة النصرة".
الخطف والخطف المضاد بات من سمات الحرب الدائرة في سوريا. الأرقام التي أوردها وزير "المصالحة الوطنية" علي حيدر، أكدت وجود أكثر من خمسة آلاف مخطوف من المدنيين والعسكريين، مسجلين لدى وزارته. في هذا "الملف الشائك والمعقد" كما وصفه حيدر، تبذل وزارته "جهوداً كبيرة" على حدّ زعمه، من خلال الاتصالات المستمرة مع "المسلحين" لتحرير المخطوفين. لكن شكاوى ذوي المخطوفين المستمرة، وإلقاء اللوم بشكل كبير على الوزير شخصياً في تأخر تحرير مخطوفيهم، تثير الشكوك في انجازات الوزارة.
الموالون للنظام من الطائفة العلوية في محافظة اللاذقية، يتهمون النظام بعدم وجود إرادة حقيقية لديه لتحرير ابنائهم؛ فـ"جبهة النصرة" لم تترك فرصة لإغرائهم بضرورة الضغط للإفراج عن ذويهم، من خلال المقاطع المصورة التي تصدرها بين الحين والآخر. أخر تلك التسجيلات كانت في حزيران/يونيو 2014، وظهرت فيها المختطفات متوسلات إطلاق سراحهن، والاسراع بإجراء المبادلة. النظام رفض المبادلة بحجة عدم رضوخ "الارهابيين" لطلبه بتسليم أنفسهم وتسوية أوضاعهم، الأمر الذي اعتبره مقاتلو المعارضة مطلباً تعجيزياً ليسوا بوارد قبوله. شروط النظام التعجيزية كانت دائماً تعطيلاً لعملية التبادل.
هذه المماطلة دفعت ذوي المختطفات للتجمع أمام مبنى المحافظة في اللاذقية، في تشرين أول/اكتوبر 2013، احتجاجاً على التباطؤ في تحريرهن، وفرض شروط تعرقل عملية المبادلة. وسرعان ما فضت قوى الأمن السوري ذلك التجمع، بحزم شديد، اختفى بعده صوت هؤلاء بشكل تام.
انفراج بسيط أصاب القضية في أيار/مايو 2014، عند اتمام صفقة خروج مقاتلي المعارضة من حمص القديمة، والتي جرت مع مفاوضين إيرانيين. جاء في أحد بنود الصفقة الافراج عن 15 مختطفة من الريف الشمالي في اللاذقية، كمرحلة أولى، و25 كمرحلة ثانية. وبقي حتى الآن 85 رهينة من النساء والأطفال، يرى ذويهم أن فرجهم لن يكون عاجلاً على يد النظام، الذي ضمن سكوت عائلاتهم وعدم احتجاجهم. الأهالي يأملون أن تتدخل إيران مرة أخرى، كما حصل في هدنة حمص، لتعقد صفقة جديدة يمكن أن ينالوا منها شيئاً ما.
النظام يحاول بين حين وآخر، امتصاص غضب الأهالي، من خلال حملات شعبية تنظمها جهات تابعة له، تلقي باللوم على الأمم المتحدة، وتدعوها لتحمل مسؤولياتها تجاه هذا الملف. كما يعمل النظام على إيفاد شخصيات رسمية، تعقد لقاءات مع الأهالي، ولا تجد طريقها إلى وسائل إعلامه. آخر تلك اللقاءات كانت مع وزير الإعلام عمران الزعبي، في منتصف العام 2014، وتضمنت قائمة طويلة من الطلبات والاحتجاجات، وتأكيد ذوي المختطفات على ضرورة استبدال اللجنة المكلفة بالتفاوض لإطلاق سراح المختطفين، لعدم جديتهم في العمل وافتقارهم للصلاحيات اللازمة لتسيير شؤون المبادلة.
اللقاء كما غيره، لم يحرك ساكناً، في ايجاد مخارج لهذه القضية، ويقول والد إحدى المختطفات "نتواصل معهن باستمرار، ويسمح لنا بمكالمتهن هاتفياً بين الحين والآخر. هن بحالة جيدة، لكنهن يرغبن بالخلاص من هذه الحال. نعلم أن السلطات لن تقدم لنا شيئاً سوى الاجتماعات والوعود. يبدو أننا الحلقة الأضعف فعلاً في هذا البلد، رغم أن الفرضيات تقول عكس ذلك".
يزداد التأزم مع كل عملية تبادل تتحقق لعلويين هنا وهناك، ففي بدايات تموز/يوليو 2015، قامت مليشيا "الدفاع الوطني" في قرية السعن بريف حماة، بعملية مبادلة مع المعارضة المسلحة. ونجم عن العملية اطلاق سراح 26 من مختطفي قرية اشتبرق ذات الغالبية العلوية بريف إدلب. المعارضة كانت قد اختطفت 100 شخص من اشتبرق أخذوا كرهائن أثناء السيطرة على مدينة جسر الشغور بريف إدلب. أطلق سراح الـ26 مقابل 17 من ذوي مقاتلي المعارضة المعتقلين لدى النظام.
وهنا أيضاً، تعود حيرة أهالي مخطوفي اللاذقية، الذين بات تعداد السنوات بالنسبة لهم أمراً عادياً، مكتفين بأمل الانتظار، وتصريحات رسمية لا تسمن ولا تغني من جوع. لاسيما أنهم ممنوعون من الحديث عن أبنائهم المختطفين وخاصة العسكريين منهم، لدى كتائب المعارضة، بحجة أنها ملفات تخص القيادة العسكرية العليا، وهي أدرى بكيفية إدارتها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها