ستون يوماً وتجد إدارة الرئيس باراك أوباما نفسها مضطرة الى انهاء مفاوضاتها مع إيران، فإما أن تعلن توصلها الى اتفاق دائم، او تطوي صفحة الدبلوماسية وتنخرط في مواجهة اقتصادية وسياسية، وربما عسكرية، قاسية وطويلة مع الإيرانيين.
ستون يوماً هي المهلة التي تفصل واشنطن عن انتخابات الكونغرس، التي يرجح كثيرون انها ستشهد خسارة حزب أوباما الديموقراطي للغالبية التي يتمتع بها في مجلس الشيوخ منذ العام 2006، وهذا إن حصل، يحول الرئيس الأميركي الى "بطة عرجاء" بالكامل، ويعطي الجمهوريين، وخصوصاً من الصقور في السياسة الخارجة منهم، دوراً أكبر في رسمها، وهو ما يعني التخلي عن المفاوضات مع إيران وتبني خيار المواجهة.
ولكن، حتى لو حافظ الديموقراطيون على الغالبية في مجلس الشيوخ، فإن أوباما سيجد نفسه مضطراً لتقديم جردة حساب في ما توصلت اليه ستة أعوام من المفاوضات النووية مع ايران، خصوصاً في السنة المنصرمة، والتي شهدت رفعاً جزئياً للعقوبات عن طهران في مقابل تجميدها لتخصيب اليورانيوم بموجب اتفاقية جنيف الموقعة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
داخل إدارة أوباما وجوم وتشاؤم حول المفاوضات، التي تم استئنافها هذا الأسبوع، فطهران تخلفت عن تسليم معلومات كانت وكالة الطاقة الذرية طلبتها، ثم أعلنت تركيب أجهزة طرد مركزية من الجيل الثامن، وهو ما يوسع الهوة في عدد الطرود التي يتم التفاوض عليها، فمجموعة دول الخمسة زائد واحد، تريد ان تنحصر عملية التخصيب الإيرانية بألفين الى ثلاثة الاف من الطرود من الجيل الأول لتخصيب اليورانيوم ولأهداف بحثية فقط، فيما أعلنت إيران نيتها إبقاء 19 ألف جهاز يعمل، وهو ما يعطيها مقدرة انتاج وقود نووي لمعامل انتاج الطاقة.
وخطة أوباما لاستئناف المفاوضات قبل أعوام كانت ترتكز على السماح لإيران بالحفاظ على برنامج ضيق للتخصيب حفظا لماء وجه الإيرانيين، الذين يكررون ان التخصيب حق مكتسب للأمة الإيرانية. في نفس الوقت، اعتقد أوباما ان التوصل الى تسوية نووية يفتح باب الشراكة بين واشنطن وطهران لإدارة شؤون منطقة الشرق الأوسط، حتى لو جاء ذلك على حساب شركاء أميركا التقليديين في المنطقة.
اليوم صار كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية يعتقدون ان حفظ ماء الوجه للإيرانيين لن يكفيهم، وان طهران لن ترضى بأقل من التخصيب على نطاق صناعي يؤدي الى انتاج الوقود، وهو ما يقصر من المدة الزمنية المطلوبة لصناعة قنبلة بشكل لا يسمح للغرب التحسب او القيام بخطوات لمنعها من ذلك.
كذلك، يبدو ان إدارة أوباما صارت تعتقد ان إيران لا ترغب في شراكة في الشرق الأوسط، بل هي تسعى الى زعامة أحادية تطرد بموجبها أميركا من المنطقة وتهيمن على حلفائها.
وما يعزز التشاؤم الأميركي، الخلاف المستجد مع موسكو حول الأزمة الأوكرانية، التي تدفع الروس الى محاولة زعزعة تماسك مجموعة خمسة زائد واحد. وكانت شركات نفط وغاز روسية وقعت، او أعلنت نيتها توقيع، شراكات مع نظيراتها الإيرانية من أجل تطوير الإنتاج الإيراني في خطوة تخالف منظومة العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
هكذا، فرضت وزارة الخزانة الأميركية رزمة من العقوبات على 25 كياناً وفرداً مرتبطين، لا بالقطاعين المالي والنفطي الإيراني فحسب، بل على شركتي طيران اتهمتهما بنقل أسلحة وعتادٍ الى نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وممن وجدوا أنفسهم عرضة للعقوبات الأميركية الجديدة مصرفٌ يحمل اسم "بنك آسيا"، ومقره موسكو، اتهمته واشنطن بتزويد الحكومة الإيرانية بـ 13 مليون دولار نقداً، في رسالة أميركية مزدوجة الى الروس، كما الإيرانيين.
وبدلا من ان يعود المتفاوضون الى لقاءاتهم التفاوضية المرتقبة هذا الشهر بروحية إيجابية، يعودون بعقوبات أميركية إضافية على طهران مقترنة بطرود تخصيب إيرانية جديدة من الجيل الثامن. ثم يطل بعض المسؤولين الإيرانيين ليتحدثوا عن ضرورة وجود "نوايا حسنة" لإبرام الاتفاقية المزعومة.
الاتفاقية مع إيران حول ملفها النووي ستحتاج الى ما هو أكثر بكثير من "النوايا الحسنة"، وربما الى وقت أطول من المهلة المتاحة، والتي تنتهي في 24 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. لكن الوقت يداهم إدارة أوباما مع اقتراب موعد الانتخابات، ما يعني ان الستين يوماً المتبقية هي الفرصة الأخيرة لأوباما، ولإيران، ولأي اتفاقية ممكنة. بعد ذلك، تصبح إمكانية التوصل الى تسوية أضعف بكثير، وتصبح احتمالات المواجهة مفتوحة على مصراعيها، خصوصا ان أوباما قد يكون الرئيس الأميركي الأخير الذي يتفادى اللجوء الى قوة بلاده كإحد الخيارات المتاحة له دولياً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث