في قمة كامب دايفيد التي كان يفترض أن يقدم فيها الرئيس باراك أوباما بعض التنازلات لدول الخليج العربي في سوريا، مقابل حصوله على تأييدهم للتوصل الى اتفاقية نووية مع ايران، لم يبدِ أوباما المرونة الموعودة، بل راح يكرر ما دأب، هو وأعضاء إدارته، على قوله منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١ حول ضرورة قيام "حكومة وطنية سورية" جامعة، كمخرج وحيد للأزمة.
كل ماعدا الحل السياسي، بما في ذلك التغيرات التي تطرأ على ميزان القوى العسكري على الأرض السورية، لا يعني واشنطن في شيء، أو هكذا على الأقل تزعم الادارة. وما لا يتنبه له أوباما وادارته هو ان حلاً سورياً على شاكلة الحل العراقي ليس فألاً حسناً، فالحل العراقي "العظيم" أدى الى تدفق الدماء بغزارة أكثر من الماضي، فيما فشلت حكومة الوحدة الوطنية العراقية برئاسة "التوافقي" حيدر العبادي، في وقف النزيف، وفشلت في وقف انهيار القوات النظامية العراقية، التي تبعثرت في المرة الأولى أمام هجوم تنظيم "الدولة الاسلامية" في الموصل في حزيران/يونيو الماضي، وفعلت الفعلة نفسها في الرمادي مؤخراً.
أما مصدر الحل السياسي، العراقي أولاً والسوري ثانياً، فنفسه، وهو جاء من أروقة الديبلوماسيين العاملين في وزارة الخارجية الاميركية، وممن تم انتدابهم للعمل في بغداد، ثم في دمشق.
يتصدر من عملوا في السفارة الاميركية في العراق السفير ريان كروكر، ونائب رئيس البعثة في العراق ثم السفير في سوريا روبرت فورد، والسفير الأميركي الحالي في الامارات العربية المتحدة مايكل كوربن، والعراقي - الاميركي علي خضري، الذي يعمل اليوم مستشاراً لشؤون العراق في القطاع الخاص، وإلى حد أقل السفير السابق في لبنان ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية حالياً جيفري فيلتمان. والديبلوماسيون الاميركيون الذين صنعوا الحل العراقي، ونجحوا في انهاء حرب اهلية، وفي تخفيض مستوى العنف الى ما دون مستوى العام ٢٠٠٢، وظفوا خبرتهم العراقية في الملف السوري، فتلقف ذلك أوباما وفريقه، وجعلوا من "الحل السياسي" في سوريا بمثابة المخرج الوحيد، على غرار ما حصل في العراق.
وقبل خروجه الى التقاعد بقليل، وصف فورد الحل في سوريا انه على شكل دراجة هوائية لا يمكنها السير على عجلة واحدة، بل هي تحتاج الى عجلتين، واحدة عسكرية وثانية سياسية.
والعجلة العسكرية هي الجزء المفقود من خطة أوباما، في سوريا كما في العراق، وما حكومة الوحدة الوطنية التي تقف متفرجة أمام سيل الدماء العراقية الا خير دليل على ذلك، كما لا يمكن للعسكر وحدهم فرض حل، حسب التعبير الذي يكرره أوباما ومسؤولوه، لا يمكن كذلك للعجلة السياسية وحدها أن تشكل مخرجاً، لا في العراق ولا في سوريا. ومن نافل القول إن من شاركوا في تثبيت الوضع في العراق من المسؤولين العسكريين الاميركيين يدركون ضرورة قيام تكامل بين السياسي والعسكري.
وكان قائد الاركان الجنرال مارتن ديمبسي، قال في جلسات الاستماع التي خصصت لبدء الحملة الجوية في العراق ضد تنظيم "الدولة الاسلامية"، الصيف الماضي، إن انشاء قوات حرس وطني من رجال العشائر السنية العراقية، يكون مستقلاً عن سلطة بغداد المركزية، هو أمر في صلب الحلّ في العراق. وبالطريقة نفسها، كانت فكرة تدريب قوة من "المعارضة السورية المعتدلة" لتواكب الحل السياسي في سوريا. لكن لأوباما حسابات أخرى، فهو يخشى أن يؤدي تسليح عشائر العراق أو سوريا، ضد "داعش" أو ضد الأسد، إلى اعتراض ايراني ينسف فرص التوصل إلى اتفاقية مع ايران. لذلك، تمسّك أوباما بالحديث عن "حل سياسي" في سوريا، ولكن بعدما افرغ هذا الحل من بعض متطلباته، فتحول حديثه عن الحل السياسي، في سوريا كما في العراق، الى تكرار ممل لعبارات ولادعاءت كاذبة مفادها ان التحالف الدولي ضد "الدولة الاسلامية" يحقق انتصارات.
ربما كان الأفضل لأوباما، بدلاً من إعطاء النموذج العراقي الفاشل مثالاً لحل سوري يشابهه فشلاً، أن يقول إن الحل الوحيد، في العراق كما في سوريا، هو على طاولة المفاوضات النووية مع إيران.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها