واتخذ الروس في منتصف عام 2017 من "هيئة أركان الجيش والقوات المسلحة" السورية في دمشق، مقراً لهم، وبدأوا بإجراء تغييرات في الأركان ووزارة الدفاع، طالت أسماء كبيرة، وصلت إلى وزير الدفاع ومساعديه ومستشاريه.
وبدأ الموضوع مع إصدار مرسوم رئاسي
بإلغاء الفقرة (ح) من "المادة 25" من قانون الخدمة العسكرية، تتيح إعفاء المطلوبين للخدمة الاحتياطية بقرار صادر عن قيادة الجيش أو وزير الدفاع. وجاء المرسوم على خلفية ما قيل إنها "قضايا فساد" في وزارة الدفاع. وصدرت في تموز/يوليو 2017، أوامر روسية بتجميد وزير الدفاع فهد جاسم الفريج، ومدير مكتبه العميد محمود نظام، والمساعد الأشهر في الوزارة أبو الليث، المتحكمين بملف الإعفاءات و"مفاتيح" الوزير في تلك القضايا.
وتهرّب الفريج، بحسب ما قال مصدر لـ"المدن"، من موضوع الإعفاءات والفساد في أروقة وزارته، والشبكة التي يديرها ابنه خلدون، لتخليص الناس من الخدمة الاحتياطية مقابل مبالغ مالية، مؤكداً للروس أن كل ما جرى يتحمل مسؤوليته مدير مكتبه، مشيراً إلى أن جميع الاختام كانت بحوزته، وهو المسؤول الأول عن كل قضايا الاحتياط.
مصدر مقرب من الأركان، قال لـ"المدن"، إن التغييرات شملت أكثر من 150 ضابطاً بعضهم من أصحاب القرار في الجيش، وفي موقع المسؤولية عن عمليات عسكرية مباشرة في محيط دمشق. وتم نقل عشرات الضباط إلى المبنى المجاور لقيادة الأركان، المخصص منذ عهد حافظ الأسد للضباط غير المرغوب بهم، أو أولئك الذين استغنى عن خدماتهم.
وانتهت قضية الفريج بعد تعيين العماد علي عبدالله أيوب، المُقرّبُ من الروس، وزيراً للدفاع، وإحالة مدير مكتب الفريج وبعض مستشاريه إلى التحقيق بإشراف روسي مباشر. الفريج وضع تحت إقامة جبرية غير مُعلنة، وسط مراقبة كافة تحركاته وأرصدته وأمواله وأعماله. وتعيين أيوب جاء بعد ترشيح ثلاثة أسماء لوزارة الدفاع، من قبل "الأمن الوطني" الذي يترأسه علي مملوك. وأحد المرشحين كان العماد طلال طلاس، الذي شغل منصب نائب قائد الأركان. ولكن تم اختيار أيوب، وتسريح طلاس بعد إلغاء فترة التمديد المقررة له حتى نهاية العام 2018، بسبب ما قيل أيضاً عن تورطه في "قضايا فساد".
العمليات العسكرية في محيط دمشق كان لها النصيب الأكبر من التدخل الروسي، فمنذ شهور تجري اجتماعات دورية ومكثفة للضباط المسؤولين عن العمليات العسكرية في جنوب دمشق وشرقها، ومناطق "خفض التصعيد"، وسط نشر للقوات الروسية، لإعطاء التعليمات وفرض الأوامر على ضباط النظام ومنع أي تحرك عسكري قبل العودة إلى المستشارين الروس المقيمين في الأركان ووزارة الدفاع. وانتهت بعض الاجتماعات بعزل أو نقل بعض الضباط إلى المبنى المجاور، إثر اعتراضهم على القرارات الروسية.
آخر تلك القرارات كانت في تشرين الأول/أكتوبر 2017، مع تغيير المسؤول عن معبر مخيم الوافدين، وهو عميد في الحرس الجمهوري، بعد تذمره على قرارات تخص تلك المنطقة. فتم عزله على الفور وتحويله إلى المبنى الخارجي للأركان وسحب كافة الصلاحيات الممنوحة له.
وقال المصدر المقرب من الأركان، إن الروس أرسلوا دفعة من الضباط إلى روسيا لحضور دورة تدريبية لأربعة شهور قبل عودتهم لتسليمهم مناصب رفيعة المستوى، كما تمت إعادة عشرات الضباط والمستشارين المُسرحين من الخدمة، والمواليين للروس منذ عهد الأسد الأب، ليكونوا بمثابة مستشارين في الأركان ومسؤولين عن قضايا مُعينة داخل الجيش، أهمها اللباس والطعام.
السيطرة الروسية على مفاصل النظام طالت أيضاً بعض الأجهزة الأمنية، وبحسب مصادر "المدن"، فقد زار وفد روسي مقر "الأمن الوطني" واجتمع بعلي مملوك، وطلبوا منه زيارة الرقابة على الفروع الأمنية والحد من الاعتقالات التعسفية في الشوارع، ووضع خطة لضبط تحرك المليشيات الموالية في دمشق، والحد من المظاهر المسلحة، وضبط المليشيات الأجنبية وكف يد مليشيات إيران بشكل كامل عن جبهات الريف الدمشقي وعدم السماح لها بالتحرك إلى تلك الجبهات تلك أي ظرف كان.
رئيس "الفرع 40" التابع لـ"إدارة أمن الدولة" العميد حافظ مخلوف، شقيق رامي مخلوف، عاد بعد أكثر من عامين من الغياب عن المشهد السوري الداخلي، والتنقل بين روسيا وبيلاروسيا. وقيل إن إخراجه جاء بطلب من رامي، خوفاً على حياته، بعدما بسط سيطرته على مفاصل دمشق الاقتصادية، وتدخل في مناطق ليست ضمن مسؤولياته، وتغوّل "الفرع 40" على حساب بقية الأجهزة الأمنية في العاصمة دمشق. حافظ مخلوف، عاد اليوم برغبة روسية، ليتسلم "الرقابة" على فرعين تابعين لـ"أمن الدولة"؛ "الفرع 40" و"فرع الأمن الداخلي" المعروف باسم "فرع الخطيب"، فضلاً عن استلامه منصب "مدير العلاقات الاستخباراتية الخارجية" بين لبنان وسوريا وإيران، بحسب ما قالت مصادر لـ"المدن".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها