على إثر إثبات أميركا للسعوديين أن واشنطن ستخلّصهم من الخطر الايراني، "يمكن الطلب الى السعوديين اعلان ارسالهم وفدا الى اسرائيل لمناقشة التهديدات (الايرانية) المشتركة التي يواجهانها في المنطقة، والضمانات الامنية لاسرائيل تحت عنوان مبادرة السلام العربية… في المقابل تعلن اسرائيل انه بسبب التزامها بدولتين لشعبين، لن تبني خارج الكتل الاستيطانية، وستتخلى عن السيادة شرق السور الأمني، او ما يشكل ٩٢ في المئة من الضفة الغربية". هذا تصور "شيخ" مبعوثي السلام السابق دينيس روس، كما قدمه في مقالة في "نيويورك دايلي نيوز".
يمكن إذ ذاك للسعوديين تقديم انجازهم هذا للفلسطينيين، والانضمام للولايات المتحدة في الضغط على الفلسطينيين لوقف سعيهم لتقويض شرعية اسرائيل في المحافل الدولية، ووقف السلطة الفلسطينية رواتب عوائل "من ينخرطون في عنف ضد الاسرائيلين"، ويعترف الفلسطينيون بقوميتين: يهودية وفلسطينية. هذه هي "الاتفاقية العليا" التي يعد بها الرئيس دونالد ترامب، حسب روس.
كلام جميل ومنمق صادر عن واحد من اعتق ديبلوماسيي الولايات المتحدة. ولكن، فلنفترض ان ترامب والخليج نجحا في التوصل الى هذه "الاتفاقية العليا"، ماذا ستكون الحصيلة؟
يجني الاسرائيليون التخلص من ايران، والسلام مع السعودية، اكبر دول العرب اقتصاديا وعضو "مجموعة العشرين". كما يجني الاسرائيليون ثمانية في المئة من الضفة الغربية، فضلا عن القدس كاملة، ويحصلون على مصادقة الفلسطينيين على يهودية اسرائيل.
الفلسطينيون، بدورهم، يخسرون ثمانية في المئة من الضفة الغربية، والقدس، ويتوقفون عن مطالبة العالم بالاعتراف بدولتهم تحت ضغوط اميركية وسعودية، ويتعرضون لضغوط سعودية اضافية ليفرضوا عقوبات جماعية على عائلات فلسطينية بأسرها بسبب تصرفات افراد من هذه العائلات. ثم يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة جارة لهم، وهو طلب غريب، اذ كيف يمكن لشعب ان يعلن يهودية او مسيحية او علمانية دولة اخرى؟ فاذا اراد الاسرائيليون اعلان يهودية دولتهم، فليفعلوا هم ذلك. اما علاقة الدولة الفلسطينية المستقلة، لو قامت، باسرائيل، فتكون ندية، ولا تتدخل بيهودية ام عدم يهودية اسرائيل.
لم يظن اي من العرب يوما ان اسرائيل ستوافق على قيام دولة فلسطينية. في ذروة السلام والمفاوضات، اعتقد البعض ان الفلسطينيين قد يحصلون على دولة منزوعة السلاح، او حكم ذاتي من نوع او من آخر.
على ان ما يقدمه السيد روس لا يرقى حتى الى حكم ذاتي، بل مجرد تجميد اسرائيل الاستيطان، مقابل استمرار "السلطة الفلسطينية" في لعب دور شرطي البلدية لدى الاسرائيليين، مع تخليها عن السعي لاي اعتراف دولي بدولة او سيادة، وتخليها عن حقوق فلسطينيين آخرين لا تمثلهم يعيشون في الشتات او داخل اسرائيل.
يوم حط الرئيس المصري الراحل انور السادات في القدس، قال للفلسطينيين ان سلام مصر مع اسرائيل سيؤدي الى صداقة مصرية - اسرائيلية تعيد للفسطينيين حقوقهم. وبدلا من ان تعيد اسرائيل حقوق الفلسطينيين، أعلنت ضم الجولان السوري في الوقت الذي كانت تنسحب تدريجيا من سيناء، فاضطر السادات لالتزام الصمت عن الجولان حتى لا يعرقل الانسحاب الاسرائيلي من ارضه.
الخطر الايراني على العرب ومصالحهم القومية مفهوم وواضح، ويعود الى العام 538 قبل الميلاد. لكن خطط السلام الخنفشارية التي تخلّص العرب من خطر ايران عليهم بمعاقبتها عربا آخرين والتفريط بحقوقهم ليست حلا.
وحتى لا يعتقد الاسرائيليون اننا نتحدث عن "حقوق الفلسطينيين" ونعني بذلك القضاء على اسرائيل، نقول لهم ان هذه الحقوق تعني اعتراف اسرائيل بدولة فلسطينية بموجب قرار وحدود التقسيم، واعتراف عربي في المقابل باسرائيل والعيش بسلام معها. اذ ذاك يمكن للاسرائيليين اعلان يهودية دولتهم واستقبال يهود الشتات، ويمكن للفلسطينيين اعلان سيادتهم واستقبال فلسطينيي شتاتهم، فالسلام لا يكون بين دولة، من جهة، وبلدية مع وصيين عليها، من جهة اخرى. السلام يكون بين انداد.
قد يكون مبعوثا السلام الاميركيان جارد كوشنر وجايسون غرينبلات من حديثي العهد في السياسة الدولية وفي موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، لكن السيد روس مخضرم، وسبق له أن التقى عرباً كثيرين، ويعرف اي سلام يعجب العرب، ويعرف اي سلام يتم تبليعهم اياه، تحت طائلة رمي كل من يغرد منهم ضد السلام في السجن.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها