لم تأت مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعادية لقطر في تغريدات، بل جاءت هذه المرة في ورقة مكتوبة قرأها أثناء مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره الروماني، وهي مواقف قوضت تصريحات معاكسة كان أدلى بها وزير خارجيته ريكس تيلرسون.
عبر قناة "الجزيرة" في برنامج "من واشنطن"، حاولت والزميلان عبدالرحيم فقراء وخالد صفوري فهم التباين الأميركي، واتهم صفوري مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، ومستشار بانون "الدكتور" سباستيان غوركا، بالوقوف خلف موقف ترامب من قطر. واعتبر الصديق صفوري أن موقف بانون وغوركا ينبع من معاداتهما للاسلام والمسلمين.
قد تكون معاداة الاسلام سبباً لموقف ترامب المعادي لقطر، لكن لو كان هذا العداء هو السبب، لكان من المفروض أن تشمل عدوانية ترامب دولاً أخرى، فقطر ليست الدولة المسلمة الوحيدة في الصراع الخليجي.
غوركا لم يكن في عداد الوفد الاميركي الى الرياض، لكن بانون ومساعده المتطرف الثاني ستيفن ميلر شاركا في زيارة ترامب الى السعودية، وكتبا نص الخطاب الرئاسي، الذي تناولت وسائل الاعلام اليمينية الاميركية أكثر ما يهمّها فيه، وراحت تبثه وتحلله على مدى اسبوع تلا عودة الرئيس الاميركي الى البلاد.
والمقطع الابرز في الخطاب الرئاسي في الرياض، والذي لاقى استحسان المتطرفين الاميركيين، هو المقطع الذي يتوجه فيه ترامب الى مضيفيه الخليجيين باتهامهم بايواء ارهابيين، ويدعوهم الى اخراج هؤلاء الارهابيين "من بيوتكم ودولكم ودور عبادتكم". وراحت وسائل الاعلام اليمينية المعادية للاسلام، مثل شبكة "فوكس نيوز"، تتباهى بأن ترامب زار المسلمين وطالبهم، في عقر دارهم، باخراج الارهابيين من بينهم.
ويوم علّق ترامب على الأزمة الخليجية في تغريدة، تباهى بالقول إن رحلته أثمرت، وإن أولى ثمارها معاداة قطر.
هذا يعني أنه لو كان فريق بانون وغوركا وميلر هو المسؤول عن مواقف ترامب المعادية لقطر، لكان مفروضاً أن يبدي عداء موازياً لباقي فرقاء الأزمة الخليجية، وهو ما يشي بأن فريقاً آخر من المستشارين يدفعون ترامب إلى إظهار معاداته لقطر دون غيرها، وهو ما يعني أن هذا العداء لا يرتبط بمعاداة المسلمين، ولا بموضوع الإرهاب المزعوم، بل هو موقف سياسي بحت.
والفريق الوحيد في واشنطن الذي يعادي قطر من دون غيرها من دول الخليج هو فريق "اصدقاء اسرائيل"، وهو ما يشي ان مصدر تصريحات ترامب اثناء مؤتمره الصحافي هو فريق من المستشارين منافس لبانون، وهذه مواصفات تنطبق على جارد كوشنر، صهر الرئيس وأقرب مستشاريه.
ونصائح كوشنر، اليهودي الاميركي الذي أمضى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو إحدى لياليه في منزله بسبب الصداقة التي تجمع عائلتي كوشنر ونتنياهو، هي نصائح غالباً ما تأتي بعيداً عن أعين بانون ومؤسسات الادارة الاميركية، مثل مجلس الامن القومي، ووزارتي الخارجية والدفاع.
إدارة ترامب مفككة وأجنحتها متنافسة. لكن الخطوط الاساسية لسياسة أميركا الخارجية هي خطوط واضحة وثابتة، وتلتزم بها فرق المستشارين والوزراء المحيطين بالرئيس الاميركي على اختلافها. في حالة الخليج، قال المسؤولون الاميركيون الجديون، مثل تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، إن مصلحة واشنطن تكمن في إنهاء الانقسام الخليجي، والحفاظ على الوحدة بين حلفاء أميركا.
ويسود اعتقاد لدى كبار المسؤولين الاميركيين أن الازمة الخليجية قد تفتح الباب لمنافسي الولايات المتحدة، مثل إيران وروسيا، للدخول الى الخليج، والبحث عن حلفاء، وهو ما يقلق واشنطن ويدفعها الى رأب الصدع الخليجي.
لكن كوشنر و"أصدقاء اسرائيل" الاميركيين لا يلتزمون بالضرورة مصلحة أميركا، لذا نراهم يسعون لتثبيت موقفهم المعادي لقطر من دون غيرها من افرقاء الأزمة الخليجية. على أن أقصى ما يستطيعه هؤلاء هو دفع ترامب الى اصدار تصاريح تتناسب وموقفهم. لكن بعد كل تصريح يدلي به ترامب من هذا النوع، يسارع البيت الابيض وعموم مسؤولي الادارة الى التخفيف من اهميته، والقول إن التباين ينحصر في الشكل، وإن سياسة أميركا واحدة في المضمون، وتقضي بوحدة الخليج واستتباب السلام والوئام بين عواصمه.
في الولايات المتحدة "واشنطنان"، وكلاهما ترغب في رؤية خليج واحد، أو على الأقل مرغمة على الالتزام بهذه الرؤية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها