تأجل تنفيذ المراحل الأولى من اتفاق "المدن الأربع"؛ كفريا والفوعة في ريف ادلب، والزبداني ومضايا في ريف دمشق، بعدما كان مقرراً البدء فيها في 4 نيسان/أبريل 2017. الاتفاق تم التوصل إليه بعد مفاوضات مباشرة وطويلة برعاية قطرية، بين ممثلين عن إيران وعن "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" وبعض الفصائل المسلحة التي كانت تحت مظلة "جيش الفتح" سابقاً. وينص الاتفاق على إخلاء مدينتي الفوعة وكفريا الشيعيتين من سكانهما، مقابل خروج المسلحين وعائلاتهم من مدينتي الزبداني ومضايا. ويتضمن الاتفاق عدداً من البنود الخاصة بـ"وقف إطلاق النار" الذي يشمل عدداً من المناطق في إدلب وريف دمشق، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية وإخراج معتقلين في سجون النظام.
الجدل الواسع الذي حصل بسبب اتفاق "المدن الأربع"، دفع وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، للخروج بتصريحات الأربعاء، أكد فيها أن الاتفاق قديم، يعود إلى العام 2015، وتم التوقيع عليه مرات ولم ينجح. وأكد الوزير محمد بن عبدالرحمن أن الاتفاق إنساني صرف ولا علاقة له بالمسار السياسي، وأضاف أنه يهدف إلى فك الحصار عن أكثر من 65 ألف مدني محاصرين في المدن الأربع، والدور القطري كان فقط ميسراً للاتفاق بين ممثلين عن النظام وحلفائه من جهة وممثلين عن المعارضة السورية المسلحة. وقال إنه تم تداول الكثير عن التغيير الديموغرافي لسوريا و"هذا الأمر مرفوض بالنسبة لنا، وكنا من أول المتحدثين عن أننا نريد الحفاظ على سوريا موحدة، ونرفض بشدة التغيير الديموغرافي وخصوصاً الممارسات الأخيرة التي تمت في الوعر وفي شرق حلب أو في داريا". وأكد أن قطر "لن تكون مساهمة في أي تغيير ديموغرافي ولن نسمح بذلك".
الناشط الإعلامي في بلدة مضايا علاء أسعد، أكد لـ"المدن"، أن اتفاق "المدن الأربع" ما زال قائماً، ولكن تم تأجيل العمل بالبنود الأولى له بسبب التطورات الأخيرة في الشمال السوري، والحملة العنيفة التي شنتها بعض أطياف المعارضة ضده. وقال أسعد: "ليس لدينا خيار آخر لإنهاء هذه المعاناة سوى العمل على إنجاح هذا الاتفاق، وأي محاولة لعرقلته من أطراف محسوبة على المعارضة ستكون كارثية، لآن الطرف الآخر، أي الإيرانيين، يربطون أي حل في الزبداني ومضايا ببلدتي كفريا والفوعة، ولا توجد أي عروض أخرى بديلة".
وأضاف أسعد: "الناس هنا تنتظر بفارغ الصبر العمل على انجاز الاتفاق لأن الوضع الإنساني داخل مضايا أصبح لا يطاق في ظل الحصار المطبق. الناس هنا ممن قرروا البقاء لتسوية أوضاعهم، أو الذين قرروا الخروج إلى الشمال السوري، يريدون حلاً يخلصهم من المأساة اليومية التي يعيشونها، وكل المبررات التي تسوقها الأطراف الرافضة للاتفاق غير منطقية أمام هذه الحالة الإنسانية المعقدة". وأشار علاء أسعد إلى أن ما تم ترويجه حول قبول سكان مضايا بالتهجير، كان بضغط من الفصائل، غير صحيح، وقال "جميع أهالي مضايا يرون أن تطبيق الاتفاق ضروري لإنهاء المأساة بأسرع وقت قبل أن يحصد الحصار المزيد من أرواح الأبرياء. ونتشارك مع أهالي الزبداني هذا الحصار والتطلعات لفكه، ويعتقد الناس هنا أنه كلما طالت مدة الحصار كلما دخلت الأزمة في طريق مسدود، وتعثر الحل وعطلته عوامل لم تكن بالحسبان".
وأشار أسعد إلى الأزمات التي تعصف بالناس في مضايا: "في البداية كنا بأزمة الجوع ثم المرض النادر (كواشركور) الذي انتشر بين الأطفال، ثم السحايا، ثم بدأت معاناة أصحاب الأمراض المزمنة بسبب فقدان الأدوية رغم بساطتها. نحن ننتظر ونأمل إتمام العملية".
والتقت بيانات كل من "المجلس المحلي" في الزبداني و"أعيان مضايا"، على استنكار الهجوم الذي تعرض له اتفاق "المدن الأربع" من قبل بعض أطياف المعارضة السياسية والمسلحة، وأكد الطرفان على أن التصريحات والبيانات المنكرة لهذا الاتفاق تندرج في إطار المزاودة.
وقال "المجلس المحلي" في الزبداني في بيان نشر في "فايسبوك" في 2 نيسان/أبريل: "سمعنا من شخصيات عديدة في الائتلاف لقوى المعارضة أن هذا الاتفاق خيانة لمبادئ الثورة، وراحوا يعارضون الاتفاق وينعتونه بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان ولا يتبجح بها إلا البعيد عن واقعنا والذي لا يشعر بمأساة أطفالنا ونسائنا". وأضاف البيان: "هذه القوى لم تقدم أي دعم سياسي أو عسكري أو إنساني يذكر أثناء الحملة البربرية والحصار، ولم يبذلوا فعلاً حقيقياً لإيقاف الحملة أو لإدخال رغيف خبز واحد إلى أهلنا المحاصرين". وأكد البيان: "إن المجلس المحلي لمدينة الزبداني يود أن يبين لهؤلاء المزاودين على دماء أهل الزبداني أن هذا الحصار الذي وضعنا بين فكيه هو نتيجة تخاذلكم وانجراركم وراء أهوائكم ومكاسبكم، وفي إطار هذه الحملة الشرسة على المدينة والعدد الكبير للعدو وكثافة التدمير والقتل، نادى أطفال ونساء وشيوخ الزبداني: واسلاماه، فلم يستجب لهذا النداء إلا إخواننا في جيش الفتح الذين فرضوا وقفاً لإطلاق النار، وأبرموا اتفاق الزبداني–الفوعة، أو ما يسمى اتفاق المدن الأربع بين جيش الفتح والطرف الإيراني".
"مجلس أعيان" بلدة مضايا، أصدر بياناً مصوراً، الأربعاء، قال فيه: "لقد اتفقت الفعاليات الرسمية ضمن الحصار على قبول حل يحقن الدماء وينهي الحصار، ويغلق ملف هذه المعاناة والمأساة"، وأضاف: "المبادرة كانت على شكل اتفاق لإخراج من يريد الخروج من المقاتلين من داخل الحصار الذي تضمنه اتفاق الدوحة، فكانت المفاجأة بمهاجمة كبيرة لهذا الاتفاق من قبل أطراف لا يشعرون بمعاناة المحاصرين ولا يمثلونهم، ودون تقديم أي حل بديل، ولم يتعدَ هذا الهجوم عن كونه مزاودات إعلامية وتهييجاً عاطفياً لا يغني ولا يسمن من جوع". وتابع مجلس أعيان مضايا: "وبناء على ما تقدم نؤكد قبولنا باتفاق الدوحة، والموافقة عليه كونه المخرج الوحيد المطروح لإنهاء هذا الحصار". وردّ المجلس خلال حوار لاحق على أسئلة الناشطين، ومن جملة ما طرح سؤال عن ما إذا كانت العملية تهدف لإحداث تغيير ديموغرافي، فكان جواب المجلس بالنفي نظراً لعدم إجبار أهالي مضايا أو الزبداني على الخروج، فالاتفاق يشمل الراغبين بالخروج فقط، ولا تتجاوز أعدادهم 2500 شخص بينهم مقاتلون ومدنيون.
الردود الغاضبة من مجلسي "محلي" الزبداني و"أعيان مضايا" أتت رداً على بيانات أطراف في المعارضة، من بينها بيان "الهيئة العليا للمفاوضات" دعت فيه إلى إيقاف اتفاق "المدن الأربع"، واعتبرت أن هذا "الاتفاق باطل ويجب إلغاؤه". بيان الهيئة الذي نشر في 2 نيسان/أبريل قال: "الاتفاق معادٍ للشعب السوري ومناقض للقانون الدولي الإنساني، ومعرقل للعملية السياسية التي تجري في مدينة جنيف السويسرية". وأضاف بأنه يصب في مصلحة إيران و"حزب الله"، وهي "أطراف لها مصلحة في التغيير السكاني وإحلال مجموعات محل أخرى على أساس طائفي".
"الائتلاف الوطني" أيضاً عبّر عن رفضه الاتفاق، وقال إنه "مخطط إيراني"، وإنه "مشاركة في التغيير الديمغرافي، وخدمة لمخططات النظام الإيراني، من خلال الهيمنة على مناطق مأهولة وتغيير هويتها الاجتماعية والسكانية، ولن يتمكن أحد من إضفاء أي قدر من الشرعية على مخططات التهجير والتغيير الديمغرافية من خلال أي مناورة، سواء جرت برعاية روسية أو بتخطيط إيراني، أو استغلالاً لصمت دولي مخزٍ، أو تحت أي ذريعة أخرى".
كما انتشر بيان باسم "الجيش السوري الحر"، بدا أنه غير رسمي لعدم وجود فصائل موقعة عليه كما جرت العادة، وتم التأكيد فيه على الإدانة المطلقة لمثل هذه الاتفاقات، وطالب الدول التي رعته ببيان موقفها بشكل واضح من ملابساته ونشر كامل تفاصيله، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتدخل العاجل لإصدار قرار إدانة لهذا الاتفاق.
رئيس "المكتب السياسي" في "جيش الإسلام" محمد علوش، أدان الاتفاق واعتبره خيانة، في تغريدات في "تويتر". وقال علوش: "ما زالت الحقائق تتكشف في علاقة إيران العضوية العميقة بالقاعدة، وهذه حلقة مهمة في هذه الخيانة، وأخطر ما فيها ليس إمارة إدلب، وإنما تعزيز الوجود الطائفي الصفوي الشيعي في دمشق وضواحيها بعد تهجير المسلمين السنة منها".
الناشط الإعلامي عبدالكريم ليلى، قال لـ"المدن"، إن تسريب بنود الاتفاق كان لجس نبض الرأي العام، وعندما لاقى رفض شعبياً، ورفضاً من عدد من أطياف المعارضة تم استبعاد الفكرة حالياً وربما تم التأجيل. وأشار ليلى إلى أن الضغط لرفض الاتفاق حصل بشكل أكبر من قبل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، وظهر ذلك جلياً في خطاب "جيش الإسلام" والموالين له في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحول الرفض للشارع الذي شهد مظاهرات رافضة في دوما وغيرها من مدن الغوطة الشرقية. ويرى ليلى أن الاتفاق الذي يضمن إفراغ كفريا والفوعة مقابل الزبداني ومضايا يعني بقاء الغوطة تحت رحمة النظام، وخسارتها لأي ملف ضغط يحميها من عملية وحشية متوقعة.
وأشار ليلى إلى أن اتفاق "المدن الأربع"، سوف يعزز من امكانات النظام العسكرية في محيط الغوطة. فعدد المقاتلين الشيعة في كفريا والفوعة يتجاوز 7 آلاف مقاتل، وهم على كفاءة قتالية عالية، وسوف يشكلون عامل ضغط إضافي على الغوطة. ويقول ليلى: "يرى أهل الغوطة أنه بمجرد تطبيق اتفاق المدن الأربع فإن حرب استنزاف ستكون بانتظارهم والتهجير لن يكون إلا بشروط النظام وداعميه".
المعارضون الرافضون للاتفاق يقولون أيضاً إنه بمجرد تنفيذ الاتفاق، فسيتم سحب ورقة مهمة من يد المعارضة، الأمر الذي سيسرع استهداف إدلب، وبدء معركة واسعة للنظام وحلفائه ضدها بتغطية روسية أكثر فعالية.
طيف واسع من المعارضة يرى أن لا حلّ إلا بتطبيق اتفاق "المدن الأربع"، وكما هو يصب في مصلحة النظام وحلفائه، أيضاً سوف تستفيد منه المعارضة لإنهاء معاناة المحاصرين في الزبداني ومضايا، وكذلك سيتمكن آلاف مقاتلي المعارضة المشاركين في حصار الفوعة وكفريا من توجيه طاقاتهم باتجاه مناطق وجبهات أخرى.
لا يمكن الجزم في ما إذا كان الاتفاق سيبقى حياً، على الرغم من التطورات التي تحصل في إدلب على خلفية التغيّر المحتمل في السياسة الأميركية الذي تلى استهداف النظام مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية. وفي الوقت نفسه، سيبقى المحاصرون في مضايا والزبداني بانتظار أي بادرة تعيد لهم الأمل بقرب تنفيذ اتفاق "المدن الأربع" الذي تحالفت كل الظروف لتأجيله، لتستمر معاناتهم إلى أجل غير مسمى.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها