حسب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أكبر ضمانة لأمن اسرائيل وحدودها الشمالية تكمن في السماح لقوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات الايرانية المتحالفة معه باستعادة الجنوب السوري والانتشار فيه. وحسب لافروف أيضاً، الخطر الأكبر على اسرائيل يكمن في الولايات المتحدة والميليشيات التي تدعمها داخل سوريا.
تصريح لافروف يظهر مدى العبثية التي وصلتها الأزمة السورية، وعبثية عواصم العالم واستخفاف مسؤوليها بعقول البشر، إذ يريد وزير خارجية روسيا من العالم تصديق أن الولايات المتحدة، التي رفعت من قيمة المساعدات العسكرية والمالية السنوية لاسرائيل في عهد باراك أوباما، الرئيس الأميركي صاحب اكثر علاقة متوترة مع الاسرائيليين، هي التي تشكل خطراً على اسرائيل.
على رغم العبث، قد يكون السيد لافروف محقاً، فواشنطن ربما تشكل خطراً على الاسرائيليين، وهو ليس من نوع المخاطر المقصودة، بل ربما غير المقصودة، وهو ما بدأ ينعكس في التصريحات الاسرائيلية، التي أصبحت تحمّل الاميركيين مسؤولية تحوّل الأسد الى دمية ايرانية بالكامل، وتحمّل أميركا المسؤولية لتقاعسها في السيطرة على شرق سوريا بطريقة تقطع اتصال الهلال الممتد من طهران الى بيروت، عبر العراق وسوريا.
بل إن واشنطن ساعدت طهران وميليشياتها على استعادة اجزاء الهلال الايراني غرب العراق، بتقديمها غطاء جوياً يوازي بأهميته الغطاء الجوي الذي منحته موسكو لتمكين الميليشيات الايرانية في سوريا.
وكما تسببت سياسة أميركا في سوريا بمتاعب للاسرائيليين، وهي سياسة ساهم في صناعتها الاسرائيليون الذين اعتقدوا ان الحرب الاهلية بين اعدائها السنة والشيعة ستستمر الى الأبد وتشغلهم عنها، كذلك تسببت السياسة الاميركية بمصاعب لحلفاء واشنطن في عمّان، ممن وجدوا الميليشيات الايرانية تحيط بأجزاء مملكتهم شمالاً، ومن الشرق وبعض الغرب.
وكما زار المسؤولون الاردنيون موسكو ودمشق وساهموا في التوصل الى انشاء "غرفة عمان" لمراقبة "خفض التصعيد" في الجنوب السوري، كذلك طار المسؤولون الاتراك الى طهران وموسكو لتدارك أزمة اعتماد الولايات المتحدة على مقاتلين أكراد أصبح محسوماً أنهم سيستخدمون خبراتهم القتالية التي جنوها من الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية"، والسلاح الذي جمعوه في الحرب نفسها، من اجل اعادة اطلاق حربهم ضد القوات التركية داخل اراضي تركيا.
هذه الايام، يبدو التحالف مع أميركا بمثابة عبء على اصحابه أكثر منه مكسب، من إسرائيل الى الأردن فتركيا، الكل يعاني، فيما ايران، عدوة أميركا اللدودة، هي الجهة الوحيد السعيدة بتطورات الاحداث، وهو ما يعني ان في سياسة أميركا الخارجية مشكلة كبيرة لواشنطن وحلفائها.
ربما على عكس ما يصرّح به الاسرائيليون، لا تمثل استعادة الأسد السيطرة على الجنوب السوري ذاك الخطر على اسرائيل، وقد يكون لافروف محقاً بقوله إن أمن اسرائيل يكمن في سيطرة الأسد وايران على الجنوب السوري، إذ على مدى اربعة عقود من سيطرة الأسد على هذا الجنوب، عاشت اسرائيل في نعمة الأمن والأمان، ولا تزال إلى اليوم تنعم بها في جنوب لبنان كذلك، تحت أنظار إيران، التي وصل عدد ضحاياها العرب، ممن تعلن طهران نيتها تحريرهم واستعادة اراضيهم في فلسطين، الى عدد اكبر بكثير من عدد ضحاياها الاسرائيليين، الذين تعلن طهران العداء لهم.
تصريحات لافروف حول الأزمة السورية والعلاقات المتداخلة بين أميركا واسرائيل وايران قد تكون تصريحات عبثية، ولكنها عبثية قد لا تكون بعيدة كثيراً عن الواقع.
في الاسابيع الاولى للثورة السورية، دبّرت اجهزة استخبارات الأسد مقابلة لصحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية مع ابن خال الأسد وأمين خزينته رامي مخلوف، حذّر فيها رجل الاعمال السوري اسرائيل من عواقب انهيار نظام الأسد على أمن حدودها الشمالية.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على اندلاع الثورة، مازال معسكر الأسد يسعى لتذكير الاسرائيليين بالموضوع نفسه: إن أكبر ضمانة لأمن حدود اسرائيل الشمالية هو الأسد، ولا بأس ان كان الى جانبه قواته الميليشيات الموالية لايران. رسالة مخلوف في الأمس البعيد كانت هي نفسها رسالة لافروف في الأمس القريب: الأسد ضمانة اسرائيل في سوريا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها