في ثنايا المقالة المطولة التي نشرتها مجلة "ذي اتلانتيك" تحت عنوان "عقيدة أوباما"، جاء أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول في مجالسه الخاصة انه "لن يكون هناك حل شامل للارهاب الاسلامي الى ان يتصالح الاسلام نفسه مع الحداثة ويمر ببعض الاصلاحات التي غيّرت المسيحية".
الانطباع الأول حول التصريح هو ان أوباما ينافق في الحرب التي تقودها بلاده ضد تنظيمي "الدولة الاسلامية"، و"جبهة النصرة"، في العراق وسوريا، فإذا كان أوباما لا يؤمن بإمكان إلحاق هزيمة عسكرية بـ"الارهاب الاسلامي"، فما جدوى الحرب غير تشتيت الانتباه عن عنف الرئيس السوري بشار الأسد ضد السوريين؟
أما الانطباع الثاني، والأهم، فيكمن في ان ما يقوله أوباما في السرّ هو عكس ما يردده في العلن، فالرئيس الاميركي دأب يكرر أن الاسلام دين سلام، وان الحرب الاميركية موجهة ضد حفنة من المسلمين المتطرفين، الى حد قيام أوباما بتغيير تسمية "الحرب ضد الارهاب"، الى "مكافحة العنف المتطرف".
والأهم في ما يقوله أوباما هو انه — مثل المرشح الجمهوري المتطرف دونالد ترامب — يعتقد ان المشكلة هي في الدين لا في السياسة. أما الفارق الوحيد بين الديموقراطي المعتدل أوباما، والجمهوري المتطرف ترامب، فهو أن أوباما يخفي ما يعتقد ويفضل الابتعاد عن الاسلام والمسلمين ومشاكلهم، فيما ترامب يعلن ما في باله ويطالب، في وضح النهار، بقتل "عائلات مقاتلي" التنظيمات المتطرفة، حتى إن لم تكن هذه العائلات متورطة بنشاطات أبنائها.
لكن حتى الفارق بين أوباما وترامب، لناحية التدخل أم عدمه في الشرق الاوسط، هو فارق وهمي، فالرجلان يدعوان لبقاء أميركا بعيدة عن المأساة السورية، ويفضلان بقاء الأسد في الحكم.
وكان أوباما وترامب عارضا حربي العراق وليبيا، فيما يكرر ترامب انه لو امكن له اعادة صدام حسين والقذافي الى الحكم مع ابقاء الأسد، لكان ذلك في مصلحة أميركا، وهو قول يبدو ان أوباما يؤمن به، ولكن من دون ان يعلنه.
وكما يدعو ترامب علنا إلى إظهار الدموية، لا يتردد أوباما سراً عن صب صواريخ الطائرات من دون طيار "درون" في اي مكان في العالم. وعندما يعارض اميركيون ضربات الدرون بسبب قتلها ابرياء ومدنيين "كأضرار جانبية"، يرد مسؤولو أوباما ان "مقتل عدد قليل من المدنيين افضل من السماح للارهابيين بقتل عدد اكبر من المدنيين".
اذاً، بالنسبة للمعتدل أوباما كما للمتطرف ترامب، المشكلة هي في الدين الاسلامي. أوباما يقولها في مجالسه الخاصة وترامب يقول على شبكة "سي ان ان" إن "الاسلام يكرهنا".
ولأن مشكلة الرئيس ومتصدر مرشحي الرئاسة بين الجمهوريين هي مع "الاسلام"، يصبح من الطبيعي تمسك الرجلين بمن هم ليسوا من الإسلام في الشرق الاوسط، أي "الاقليات"، التي تضم شيعة ومسيحيين وعلويين ويهود وأكراد وأيزيديين...
هكذا، يصبح موت "الاقليات" في العراق وسوريا كارثة انسانية تتطلب تدخلاً عالمياً سريعاً، فيما يتحول موت "الاكثرية" السنية الى مشكلة سياسية روتينية تحتاج الى حلول هادئة وبهلوانيات فكرية، من قبيل "المشاركة في الحكم"، و"حقوق الاقليات"، و"الحفاظ على النظام".
أميركا — من اقصى يسارها المتطرف ومرشحه الرئاسي بيرني ساندرز الى اقصى يمينها المتطرف ومرشحيه ترامب وتد كروز، وبينهما رئيسها "العاقل المعتدل" باراك أوباما — مازالت غير متصالحة مع هجمات ١١ أيلول. مازال كبار مسؤولي أوباما، حسب مقالة "ذي اتلانتيك"، يعتقدون ان مهاجمي ١١ ايلول الـ١٩ هم من السنة، وهم تالياً يمثلون كل السنة في العالم وحكوماتهم. ومازال الاميركيون يتعاطفون مع "الاقليات" الشرق اوسطية، خصوصاً الشيعة، ويعتقدون ان عزلة أميركا هي في مصلحة الشيعة والاقليات المتفوقة عسكرياً على السنة.
وحدهم الكبار من الحزبين هم اصحاب الخبرة في العالم وشؤونه. من بين هؤلاء وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، والسناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين، والمرشح الجمهوري ذو الحظوظ شبه المعدومة ماركو روبيو، هم من يدركون غباء السياسة الخارجية الاميركية الحالية التي يتبناها الرئيس والمرشحون من اقصى يسارهم الى اقصى يمينهم.
من يربح البيت الابيض في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل سيؤثر في رؤية أميركا للعالم، فإما تعود الى رشدها، أو تستمر في الهرطقة التي تعمّها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها