بين أول زيارة له إلى دمشق في العام 1984 ولقائه بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وآخر زيارة له في العام2010 ولقائه بالرئيس الوريث بشار الأسد، أمضى السناتور الأميركي الراحل عن ولاية بنسلفانيا آرلن سبكتر 26 عاماً من حياته وهو يزور سوريا بشكل سنوي ويلقى حفاوة الضيافة من آل الأسد.
ولرد الجميل، تحول سبكتر، وهو يهودي أميركي، إلى ممثل الأسد في مجلس الشيوخ، وسخّر علاقاته العامة لإقامة علاقات بين نظام الأسد وكبار المسؤولين في الكونغرس والادارات الاميركية المتعاقبة، ومنهم زمرة من زملاء سبكتر من امثال السناتور باراك أوباما، والسناتور جون كيري، والسناتور تشاك هايغل. وحده السناتور جو بايدن كان صاحب رأي مستقل ومختلف تجاه المنطقة والأسد.
مات سبكتر في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عن عمر 82 عاماً، لكن دايفيد ايربان، الرجل الذي يعتبر سبكتر معلمه، والذي عمل أمينا لسرّه على مدى خمس سنوات، يلعب اليوم دوراً محورياً في فريق الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب، وهو من أبرز المساهمين في هندسة فوز ترامب بالرئاسة، ومن المتوقع أن يتبوأ منصباً رفيعاً في الادارة الاميركية المقبلة.
ايربان، وهو مثل سبكتر يهودي أميركي من ولاية بنسلفانيا، انتسب الى الجيش الاميركي وعمل ضابطاً للمدفعية في حرب الخليج الاولى في العام 1991. ثم تخصص في القانون، ومع حلول العام 1997، أصبح مديراً لمكتب السناتور سبكتر لمدة خمسة أعوام، ورافقه في رحلاته وترحاله، بما في ذلك الى منطقة الشرق الاوسط، فوجد ايربان نفسه وجهاً لوجه مع الأسد، الأب ثم الابن، ومع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتيناهو، ومع الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
في العام 2002، حمل ايربان خبرته الدولية والمحلية الواسعة وانضم الى عالم اللوبي في واشنطن، وتحول إلى أحد أقوى وجوه هذا القطاع، ما حدا بترامب إلى الاستعانة بخدماته، وخصوصاً لمساعدته في تنشيط حملة المرشح الجمهوري في ولاية بنسلفانيا. وفعلاً، نجح ايربان في تقديم أداء متفوق في الولاية المذكورة، فانتزعها من الديموقراطيين للمرة الاولى منذ 28 عاماً، وأهدى معلمه الجديد ترامب 20 صوتاً، كانت مفصلية في فوزه بالرئاسة.
والعلاقة المتينة التي نشأت بين ايربان وترامب لا بد أنها ساهمت في تشكيل رأي الاخير وموقفه وسياسته حول الأزمة السورية، فترامب بالكاد يمكنه الاشارة الى سوريا على خريطة العالم، وهو في مناظرته الانتخابية مع كلينتون، بدا جلياً أنه لا يعرف الفارق بين حلب السورية والموصل العراقية، وهو ما يشي بأن موقف ترامب الواضح جداً حول الأزمة السورية، على عكس آرائه المتخبطة في السياسات الداخلية أو الخارجية، هو موقف تبناه الرئيس الأميركي المنتخب من شخص على دراية بالملف السوري وصاحب موقف واضح منه، وهو لا شك ايربان.
ولطالما سعى سبكتر، معلم ايربان، الى تقوية العلاقة الاميركية مع عائلة الأسد، معللاً موقفه بأنه يمكن لواشنطن ان تجد حليفاً قوياً في دمشق ضد خصم أميركا، إيران، وفي وقت لاحق ضد الارهاب. لكن رعاية الأسد للمقاتلين الاجانب الذين عبروا حدوده الى العراق لشن تفجيرات أودت بحياة مدنيين عراقيين وجنود أميركيين، جعل من الأسد مادة سامة في العاصمة الاميركية، فتوترت علاقة سبكتر مع ادارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الى حد رشّح الحزب بديلا عنه. ومع صعود نجم السناتور المرشح للرئاسة باراك أوباما، الذي تلاقت رؤيته حول الأسد مع رؤية سبكتر، انفصل الاخير عن حزبه الجمهوري وانضم الى الديموقراطي، في خطوة أجمع الاميركيون من الحزبين أنها غير أخلاقية ووصولية، فخسر مقعده، ولكنه مع ذلك لم يوقف زيارته الى الأسد.
ليس معلوماً المنصب الذي سيشغله ايربان بعد، لكن نفوذه لدى ترامب واسع، وهو ما يحسّن من وضع الأسد في واشنطن. أوباما، ومعه اصدقاء الأسد الآخرين في فريقه، كالثلاثي المتعاقب في مجلس الأمن القومي ستيف سايمون وفيل غوردن وروب مالي، كانوا اظهروا تهاوناً اميركياً مع حرب الأسد على السوريين، الا ان فريق أوباما ابدى بعض الحياء تجاه الكارثة الانسانية. أما فريق ترامب - ايربان، فلن يبدي في الغالب أي حياء، وقد يقضي على ما تبقى من حياد أميركي وينحاز لمصلحة روسيا والأسد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها