تطورات الأسبوع الماضي أظهرت انحيازاً فاضحاً للرئيس الاميركي باراك أوباما لمصلحة إيران ضد خصومها في منطقة الشرق الاوسط.
وكانت طهران افتتحت الاسبوع باطلاقها صواريخ باليستية تجريبية، سقطت على بعد ١٥٠٠ ياردة (1,37 كيلومتراً) من السفن الحربية الاميركية في الخليج، مخالفة بذلك بنود اتفاقية فيينا النووية، المصادق عليها في مجلس الأمن والتي تحظر على الايرانيين اجراء تجارب على أي اسلحة يمكنها حمل رؤوس غير تقليدية كالصواريخ الباليستية.
وترافقت التجربة الصاروخية الايرانية مع تصعيد كلامي من المسؤولين الايرانيين ضد واشنطن، وتهديد طهران بوقف الاتفاقية النووية، خصوصا بعدما ادانت الامم المتحدة تجربة ايرانية مماثلة سابقة، وبعدما حاول اعضاء في الكونغرس الاميركي اصدار قانون يفرض عقوبات جديدة على مسؤولين ايرانيين بشكل لا يتعارض مع الاتفاقية النووية.
وفسّرت غالبية المتابعين الاميركيين الصواريخ الايرانية بمثابة رسالة تحذير من طهران الى واشنطن ضد فرض اي عقوبات اميركية جديدة من اي نوع كانت، وفي اي سياق كان، نووي او غير نووي.
وبدلا من ان يعبّر أوباما والمسؤولون في ادارته عن امتعاضهم للتجارب الباليستية الايرانية ويهددون طهران بعقوبات جديدة، وجه أوباما تهديداته الى اعضاء الكونغرس الذين كانوا يسعون لإقرار قانون عقوبات جديدة ضد المسؤولين الايرانيين المتورطين في اطلاق الصواريخ التجريبية، وهدد بتحميلهم مسؤولية انهيار الاتفاقية النووية مع ايران، وعواقب التصعيد التي قد ترافق انهياراً من هذا النوع، فتراجع المشرعون الاميركيون عن مشروع قانونهم.
بعد ايام، وعلى اثر قيام السعودية باعدام ٤٧ من مواطنيها، منهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، سارعت الخارجية الاميركية إلى "التعبير عن قلق" واشنطن، خصوصاً أن من شأن إعدام النمر "أن يصعّد التوتر" في المنطقة.
على الفور، تحول بيان الخارجية الاميركية الى مادة للتندر في اوساط العاصمة، فردد متابعون ان المفارقة تكمن في ان ادارة أوباما لا ترى في سقوط صواريخ ايرانية على بعد ١٥٠٠ ياردة من سفنها الحربية تصعيداً من شأنه ان يفاقم الاوضاع في المنطقة، لكنها تلقي باللائمة على اعدامات سعودية تقول ان من شأنها زيادة التوتر.
ولم تكد الادارة الاميركية تقف في صف ايران في موضوع إعدام النمر، حتى سرت انباء في واشنطن مفادها ان الديبلوماسية الاميركية باشرت بالاتصال بالرياض وطهران لتبريد الاجواء بينهما.
مساعي الوساطة الاميركية لم تمر من دون أن يلاحظ المراقبون ان واشنطن لم تقم بإدانة الهجمات الايرانية ضد سفارة السعودية في طهران وقنصيلتها في مشهد، بل اكتفت بالحديث عن وساطتها، وهو موقف أميركي ذكّر كثيرين بتوجيه واشنطن اللوم الى تركيا لقيامها بإسقاط مقاتلة روسية اخترقت اجواءها قبل اسابيع، بدلاً من أن تعبّر الولايات المتحدة عن تضامنها الكامل ونيتها مساندة حليفتها في حلف شمال الاطلسي، تركيا، في حال اندلاع مواجهة عسكرية تركية-روسية.
وكما سارعت واشنطن لخطب ود الروس على حساب حلفائها الاتراك وتعهدت بوساطة، كذلك لم تبد الولايات المتحدة تضامنا يذكر مع السعوديين في وجه تصعيدات الايرانيين، بل اكتفت ادارة أوباما بإعلان نيتها لعب دور الوسيط.
مع أوباما، أميركا هي دولة تطلب الخدمات من حلفائها، مثل فتح قواعدهم الجوية للمقاتلات الاميركية والمساهمة في القضاء على اعداء أميركا، فيما تتحول الى وسيط عندما تكون مصالح حلفائها في خطر، وتسعى في الغالب لإدانة هؤلاء الحلفاء والطلب منهم التنازل لخصومهم.
سياسة أوباما هذه اظهرته منحازاً تماماً لروسيا ضد تركيا، ولإيران ضد السعودية، وهو انحياز يشبه انحياز واشنطن للرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من استخدام الاخير أسلحة كيماوية، ضد المعارضة السورية، التي سعت واشنطن لإبقائها من دون سلاح أو تمويل، ومارست الضغط عليها وعلى اصدقائها للقبول بشروط الأسد وحلفائه الدوليين.
بعد سوريا وتركيا والسعودية، لم تعد ولاءات أوباما خافية على احد، فهو من دون شك ينحاز انحيازاً كاملاً لروسيا وإيران والأسد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها