تمكّن المتظاهرون في بلدة حمورية بغوطة دمشق الشرقية، الجمعة، من إلقاء القبض على قائد "فيلق الرحمن" الملازم عبد الناصر شمير، المعروف بـ"أبي النصر". وجاء ذلك بعد مقتل متظاهر وإصابة ثمانية آخرين، في مظاهرة خرجت تهتف ضد قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، و"القيادة العسكرية الموحدة" في الغوطة الشرقية.
المظاهرة هتفت ضد أحد أهم تجار الغوطة الشرقية، الملقب بـ"المنفوش"، وهو من الذين يتعاملون مع قوات النظام لإدخال المواد الغذائية، من دمشق إلى الغوطة الشرقية المحاصرة، بأسعار باهظة، وصلت إلى درجة عجزت غالبية السكان عن شرائها.
ورغم أن المظاهرة لم تتعرض لـ"فيلق الرحمن" أو لقائده بسوء، إلا أن عناصر الفيلق حاولوا فض المظاهرة بإطلاق الرصاص في الهواء. فما كان من المتظاهرين إلا أن هاجموا العناصر، فسارع أحدهم إلى إطلاق النار مباشرة على المتظاهرين، ما تسبب في مقتل الشاب بلال الرفاعي. فتوجه المتظاهرون بعدها إلى منزل قائد الفيلق، وتسلح بعضهم لمواجهة الحرس الشخصي لأبي النصر، واستطاعوا الدخول إلى بيته واعتقاله وضربه.
وفور حدوث ذلك، قام بعض المتظاهرين، بتعيين محكمة ميدانية فورية، وحكموا على أبي النصر بالإعدام، لكن أحداً منهم لم يقم بتنفيذ الحكم.
وسرعان ما وصل وفد من قيادات "جيش الإسلام" و"المجلس القضائي للغوطة الشرقية" إلى مكان تجمهر المتظاهرين، وأقنعوا بعضهم بتسليم أبو النصر لهم لمحاكمته، إن كان قد أعطى أوامر بإطلاق النار. فدخل متظاهرون مع أبو النصر، والوفد إلى مقر لـ"جيش الإسلام"، وهو الأمر الذي رفضه آخرون، محاولين اقتحام المقر قبل أن تستطيع العناصر المسلحة التابعة للفيلق و"جيش الإسلام" من فضّ تجمهرهم. فاستغل الوفد، انفضاض التظاهرة ليخرج مع أبي النصر، متوجهاً إلى جهة لم تعرف.
وبعدها خرجت الجموع الغاضبة في تشييع الشهيد، وهتفت ضد أبي النصر، وضد زهران علوش، ونادت بمحاسبة قاتلي بلال. كما طالبوا بوضع حد للإتجار بمعاناة سكان الغوطة، لصالح القيادة العسكرية المتحكمة في كل شيء، والساعية للاستفادة من خطوط الإمداد القليلة لصالح دعم عناصرها فقط، بما يستطيعون إدخاله من دمشق.
وبعدها اجتمع أبو النصر بوالد الشهيد، مقسماً له أنه لم يعط أمراً بإطلاق النار، وأن القاتل ستتم محاسبته عبر القضاء، وأنه سيرضى بأي حكم يختاره القضاء.
لم يمنع ذلك من خروج المظاهرات ليلاً في العديد من مدن الغوطة وبلداتها كسقبا وكفربطنا وعين ترما وزملكا وعربين، منددة بـ"القيادة العسكرية الموحدة" وانشغالها في التحكم بالشؤون الداخلية للغوطة، بدل العمل على الجبهات، التي لم تشهد معارك تقدم في أي نقطة منذ أكثر من عام. ونددت المظاهرات بالظلم الذي يتعرض له سكان الغوطة من اعتقالات تعسفية وخطف وعدم إمكانية معرفة أماكن المعتقلين والمخطوفين أو زيارتهم، بتهمة أنهم ينتمون لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو أنهم مفسدون. كما حظي سوء الأحوال المعيشية للسكان، بجزء هام من هتافات المظاهرات، التي اتهمت القادة العسكريين بالتنعم بما يحتاجونه على حساب الناس المحاصرين. وقد ذكّر أحد المتظاهرين أن حملة القضاء على الفساد المزعومة التي قام بها "جيش الإسلام" ضد "جيش الأمة" لم تجلب إلا زيادة الأسعار، بعد أن احتكر لنفسه أغلب طرق الإمداد، وظلت البقية مع حلفائه في "القيادة العسكرية الموحدة" كـ"لواء فجر الأمة" و"فيلق الرحمن".
وتعددت ردود فعل الناشطين والإعلاميين في الغوطة على تلك الأحداث، حيث قال الناطق باسم "اتحاد تنسيقيات الثورة في الغوطة الشرقية" يوسف البستاني: "يجب أن يتم العمل في الغوطة الشرقية على تقاسم السلطات؛ فيها القتال للعسكريين، أما باقي الأمور يجب أن تكون بيد أهلها". وأكد البستاني أنهم "لطالما حذروا القيادات العسكرية في اجتماعاتهم أن الوضع ذاهب للانفجار إن لم يتم فك الحصار عن الغوطة أو إحراز تقدم ذي أهمية". كما قال الداعية الشاب المعتدل، علاء خميس: "الذي يأنس الذل، أو يتعايش مع الظلم ميت، فلا يستغرب أحدُنا ما يرى من ردود أفعال النّاس المقهورين اليوم".
بينما قال الشرعي في "حركة أحرار الشام" أبو تمام الشامي، ملمحاً إلى "جيش الإسلام": "أبو النصر قائد فيلق الرحمن، هو بالنهاية ليس من صناع القرار في القيادة الموحدة، ولا هو من المسيطرين على أنفاق الغوطة. ولعل المسؤول الأول هو الذي ينفق جهوده للتسيد على أرض الغوطة، وإخضاع التشكيلات له والحفاظ على كرسي الحكم، ولعله لو بذل ربع هذا المجهود في حل أزمات المعيشة، أو فك الحصار المطبق لاختلف الوضع كثيراً، وإن كان هذا متعذراً، فليحملنّ العصا ليقاتل بها على كرسي يريد مغنمه ولا يتحمل مغرمه".
في حين لاذ معظم الناشطين المؤيدين لـ"جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" بالصمت، وبعضهم اتهم "داعش" بالوقوف وراء هذه المظاهرات.
وتعاني الغوطة الشرقية من حصار خانق، منذ حوالي عامين، وتعرضت لمجزرة الكيماوي صيف العام 2013، ولم تشهد منذ عام كامل إطلاق أي معركة ضد قوات النظام التي تحاصرها. في حين أجرت المعارضة المسلحة سلسلة انسحابات من المليحة والدخانية وعدرا العمالية، عام 2014. وتشهد الغوطة حالات سوء التغذية لدى الأطفال، ونقصاً شديداً في الأدوية ومستلزمات الحياة الأساسية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها