الخميس 2013/02/21

آخر تحديث: 08:32 (بيروت)

دوما "الحرّة" تسير نحو الحياة

الخميس 2013/02/21
دوما "الحرّة" تسير نحو الحياة
من بعض الدمار في دوما (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
 كان رجلاً متوسط القامة يلبس زياً عسكرياُ يقف على ركام منزل لم يتبق منه سوى الأنقاض. كان ذلك منزله. ماتت زوجته وبناته الثلاث بقذيفة "ميغ". يأتي يومياً ويقف فوق الغرفة التي كانت فيها عائلته أثناء قصفها. يلقي التحية على جثثهم متمنيّاً لو كان معهم. 
 
هي قصة مدينة دوما، ثالث المناطق الثائرة ضد النظام الحاكم في سوريا. رغم الدمار والقصف اليومي المستمر؛ قرر سكانها العودة للحياة من جديد. أينما ينظر المرء يشاهد ورشات تعمل: ورشة تقوم بإصلاح شبكة الكهرباء التي دمّر منها أكثر من 70 في المئة. ورشة أخرى تقوم بتمديد خطوط المياه وإصلاحها. 
 
أبو رمزي( 34 سنة- موظف) يشغل منصب رئيس اللجنة الفنية لإصلاح الكهرباء. كلفه "المجلس المحلي" تشكيل لجنة فنية لوضع دراسة عن الأعطال والشبكات المتضررة والبدء بإصلاحها. يقول: "حوالي 70 في المئة من شبكة الكهرباء متضررة. ليس لدينا غير سيارة واحدة للطوارئ. والتّحدي الأهم أن خط التوتر الرئيسي الذي يصل بالمؤسسة العامة، مضروب".
 
أبو رمزي قدّم شكوى إلى وزارة الكهرباء. ردت عليه بأن يصحب مجموعة فنيين من المؤسسة لإصلاح الأعطال. إلا أن أحداً من الفنيين أو المهندسين لم يقبل الذهاب معه متحججين بالمخاطر والمعارك في المدينة.
 
يتابع أبو رمزي حديثه: "الحياة واقفة هون. الفرن والتدفئة والإنارة تحتاج إلى كهرباء. ونحن لا حول ولا قوة".
 
سامر(14 سنة) ترك الدراسة بعد أن قُصفت مدرسته بقذيفة هاون. أغلقت هي وكل مدارس المدينة. حمل مكنسة ومجرف حديد، وراح ينظف بهما الشوارع التي فرز إليها. قال مبتسماً: "بحب شغلي كتير لأنو عم نظف مدينتي". 
 
أبو كرم رئيس كتيبة الدفاع المدني, اتخذ من أحد الأبنية مقراً بعد أن استأذن صاحبها. يقوم بتأمين الخبز والغاز والمحروقات للمدينة، يوزعها بالتساوي على الأهالي. يقول: "أتت فكرة الكتيبة كون أغلب الناس هنا قد أسسوا جماعات مسلحة التحقت بالجيش الحرّ. لذلك ما بقي أحد ليقدم خدمات للمدينة مما تسبب بنزوح من تبقى. الآن نحاول أن نؤمن بعض الخدمات لنشجع الأهالي على الرجوع".
 
المجلس المحلي تشكّل في مدينة دوما بتاريخ 16-12-2012 يوم "البيعة"، كما أطلق عليه سكان المدينة حيث اجتمعت قرابة مائة شخصية ممثلين عن الأهالي ومعظم الكتائب العسكرية في مقر شعبة حزب البعث سابقاً- مقر المجلس المحلي حالياً- لانتخاب أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس الإدارة المدنية. الجميع حضر عند الساعة 12 ونصف. افتتح الاجتماع محمد الفليطاني بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الثورة، من ثم بدأ الاجتماع بالاستماع إلى اللجان التي كُلفت تسيير شؤون المدينة. 
 
لجنة المخابز عرضت أهم التحديات التي تواجها: نقص مادة الطحين والخميرة وعدم توفر المازوت كانت أهم المعوقات. لجنة المياه والصرف الصحي شرح المتحدث عنها بالقول" أن حوالي 60 في المئة من الشبكة صالحة للعمل، ما تبقى منها ستنتهي أعمال الصيانة فيه خلال فترة قريبة لا تتجاوز الشهر". لجنة التنظيفات طلبت مهلة إضافية كي تنجز خطتها الأولى والتي تحدد لها ثلاثة أشهر، من ثم الانتقال إلى الخطة التالية لتنظيف الأحياء التي دمّرت بشكل كامل مثل حي العب والحجارية. بدورها لجنة التعليم أعلنت عن فتح ثلاث مدارس وحددت مواعيد التسجيل. 
 
الحاضرون أقروا استحداث الضابطة العدلية وطلبوا من الكتائب والألوية العسكرية فرز مجموعة عناصر لتكوين  الشرطة. كما تم إقرار إنشاء مجلس للقضاء الأعلى لإدارة الشؤون القانونية. وأحدثت لجنة مالية، وأخيراً تم انتخاب المهندس نزار الصمادي رئيساً للإدارة المحلية في دوما.
 
المهندس نزار الصمادي رجل متوسط القامة، ابتسامته لا تفارق وجهه، منزله يعجّ بالناس فقد تحول إلى مكتب يدير من خلاله شؤون المدينة. شكاوي وتسيير أمور وتأمين متطلبات. قال: "أن أخدم أهلي بصدق وأمانة وأن أسهر على راحتهم هو كل همي وشغلي الآن". ويضيف "النظام ما ترك لنا غير الدمار، نحن سنبني بلدنا من جديد".
 
كان عدد سكان دوما حوالي 700 ألف نسمة ويتواجد فيها الآن حوالي 200 ألف. حوالي 40 ألف كلم مربع مدمّر، ما يقارب 60 في المئة من مساحتها. هي أول مدينة تحرّرت في دمشق إبان حكم الانتداب الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي، ويحلم ثوارها بالحفاظ على مدينتهم "محرّرة" لتكون أول مدينة تخرج عن سيطرة النظام السوري.
 
increase حجم الخط decrease