في خضم الأحداث المتلاحقة، لم تحز تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، الأسبوع الماضي، الكثير من الاهتمام، لكنها أظهرت تحيزاً لا يقبل الشك للرئيس باراك أوباما وإدارته، لمصلحة التنظيمات ذات الهوية الشيعية وإيران، على حساب المجموعات والأنظمة السنية.
وفي جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة الأميركية، ورداً على سؤال حول إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، أجاب فيكر بالإيجاب. بعد ذلك بأيام، أعلنت واشنطن انها قطعت التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي كانت تقوم به مع الحكومة اليمنية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي في وجه "تنظيم القاعدة".
وسبق لأوباما أن أشار في الماضي، مراراً، إلى ما اعتبره نجاح نموذج تعاون حكومته مع الحكومة اليمنية في مواجهة الإرهاب، أي "تنظيم القاعدة" حصراً من دون الحوثيين. لكن مع انهيار الحكومة اليمنية، حليفة واشنطن، أمام الحوثيين، لم تر إدارة أوباما ضرورة بناء تحالف دولي أو استخدام مقاتلاتها لمصلحة الحكومة الشرعية اليمنية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة دفاعاً عن الحكومة العراقية في وجه تنظيم "الدولة الإسلامية". بل أن واشنطن قطعت صِلاتها بالحكومة اليمنية الشرعية المنهارة، في وقت أكد فيكرز أن العلاقة الاستخباراتية الأميركية مستمرة مع الحوثيين، في الغالب لمواجهة "تنظيم القاعدة" في اليمن. ولا يبدو أن شعارات الحوثيين القائلة بـ"الموت لأميركا ولإسرائيل ولليهود" تزعج أوباما أو فريقه.
ويأتي انحياز أوباما لمصلحة إيران ومجموعاتها في اليمن في نفس الوقت الذي كشفت واشنطن سرها حول الموضوع السوري، إذ أعلن وزير الخارجية جون كيري تأييد بلاده لـ"مؤتمر موسكو" المخصص للأزمة السورية، والذي يجمع المراقبون على أنه ينعقد لمصلحة إعادة تأهيل الأسد وضد مصلحة المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وبعد كيري أطلت صحيفة "نيويورك تايمز"، في افتتاحيتها، الأحد الماضي، لتدعو الحكومة الأميركية لاعتبار داعش الخطر الداهم في سوريا، ولضرورة تبني سياسة عملانية تقضي ببقاء الأسد بدلاً من انفلات الأمور في حال رحيله. و"نيويورك تايمز" هي من أقرب الصحف الى الإدارة الأميركية، والأرجح أن افتتاحيتها المذكورة جاءت بإيحاء من اللوبيات التي تنفق عليها حكومة الإمارات العربية المتحدة أموالاً طائلة. واللوبيات نفسها هي التي دبرت لمجلة "الشؤون الخارجية" مقابلة مع الأسد، الاثنين، وهي اللوبيات نفسها التي تعتقد أن الظروف العالمية والأميركية والعربية ملائمة تماماً لشن حملة علاقات عامة لإعادة تأهيل صورة الأسد بهدف إبقائه في السلطة في دمشق.
طبعاً لم تر "نيويورك تايمز" قوات غير حكومية متطرفة في سوريا إلا في داعش والمجموعات السنية المسلحة، فيما لا يبدو أن المجموعات الموالية لإيران والأسد تقلق الصحيفة الأميركية المرموقة، وهو ما يؤكد فكرة أن أوباما صار منحازاً كلياً لمصلحة إيران والمجموعات الشيعية ضد خصوم إيران والمجموعات السنية، متطرفة كانت أم معتدلة.
والانحياز الأميركي ضد السنة في اليمن وسوريا يتكرر أيضاً في العراق، حيث وعدت أميركا العشائر السنية بإقامة "حرس وطني" مستقل من مقاتليها، لتتراجع عن وعدها وتصر أن ينخرط المقاتلون السنة في صفوف الجيش العراقي الحكومي، فيما لا يبدو أن الولايات المتحدة تمانع نشاط الميليشيات الشيعية العراقية غير الحكومية، على أنواعها، والمعروفة بالحشد الشعبي والتابعة لقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال قاسم سليماني.
هذه هي واشنطن أوباما، فوزير الخارجية جون كيري على علاقة ودية واتصال مباشر عبر البريد الالكتروني مع نظيره الإيراني جواد ظريف، وصور اللقاءات الثنائية المتكررة بينهما كثيرة، فيما يكاد يندر أن نعثر على صداقة تجمع كيري ونظرائه في أي من الحكومات ذات الغالبية السنية في منطقة الشرق الأوسط، من تركيا وقطر الى السعودية ومصر.
لماذا ينحاز أوباما للشيعة ضد السنة؟ الإجابات الأولية قد تشير الى "براغماتية قاتلة" و"عملانية وواقعية" تدفع الرئيس الأميركي الى تقليص التدخل الأميركي، والتعامل مع الوضع القائم، ومصادقة الطرف الأقوى. لكن بعض المتابعين داخل واشنطن قد يشيرون الى أسباب لا تمت الى الواقعية والدهاء السياسي بشيء.
ويقول العارفون إن أقرب المقربين من الرئيس الأميركي يعتقدون، وربما أقنعوه، أن إيران هي امبراطورية عريقة ذات تاريخ طويل، وأن التحالف معها أجدى من التحالف مع باقي دول المنطقة المتأرجحة في آرائها ومواقفها. ومن بين هؤلاء أقرب مستشاري الرئيس، فاليري جاريت، وهي تتمتع بصداقة معه ومع السيدة الأولى منذ عقود. وجاريت هي من مواليد مدينة شيراز الإيرانية الجنوبية، حيث قضت هناك ثماني سنوات الأولى من عمرها، حيث كان والدها يعمل طبيباً أميركياً مبتعثاً في إيران.
إلى جانب جاريت، أطل الأسبوع الماضي زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر، في جلسة استماع في الكونغرس ليقول إن "إيران بدأت في التطور لتصبح دولة حضارية وهامة جداً في التاريخ". وقال بريجنسكي إنه يتشارك هذا الرأي مع برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في عهد إدارتي رئيسين جمهوريين سابقين هما جيرالد فورد وجورج بوش الأب.
وبريجنسكي هو مستشار الأمن القومي الأميركي الذي وقعت اثناء عمله في البيت الأبيض الثورة الإيرانية في العام 1979، وهو كان مكلفاً من الرئيس كارتر بمباشرة الانفتاح على نظام الخميني، فالتقى المسؤول الأميركي مسؤولاً إيرانياً رفيعاً، هو مهدي بازركان في الجزائر، لكن تسارع الاحداث أجبر الخميني على قطع الطريق على الشيوعيين بإيعازه لمناصريه باجتياح السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسيين أميركيين رهائن، أو هذا على الأقل ما تظهره مذكرات كارتر ومسؤوليه.
ومما قاله بريجنسكي، مؤيد إيران كـ"حضارة ودولة هامة" في جلسة الاستماع: "لا أفهم لما نحن بهذا الحرص على الإطاحة بالاسد؟ هل الأسد عدونا؟ هل الأسد أسوأ من الأنظمة الأخرى في المنطقة؟".
أوباما ومسؤولون حاليون وسابقون ينحازون اليوم بشكل واضح لإيران والشيعة ضد السنة وأنظمتهم وتنظيماتهم، المعتدلة منها والمتطرفة. هذا الانحياز كان في الأقبية المظلمة وصار اليوم على صفحات الصحف وألسنة المسؤولين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها