الثلاثاء 2014/04/15

آخر تحديث: 05:41 (بيروت)

سيرة أرمنية ناقصة

الثلاثاء 2014/04/15
سيرة أرمنية ناقصة
مغني الأوبرا كيفورك
increase حجم الخط decrease
يبدو فيلم "1915"، الذي يحاول التأريخ لهجرة الأرمن إلى سوريا ومنها، أشبه بنبذة عن فيلم. يعود جيرار آغابشيان، في هذا الشريط من إنتاج مؤسسة "بدايات "، إلى تاريخ النزوح السوري الأول بعد المذبحة الأرمنية الشهيرة، فيعنون عمله بـ"1915". إنه يسعى، كما يبدو، إلى رواية مئة عام أرمنية في أقل من تسع دقائق.
 
يعرض القسم الأول من الفيلم صور الناجين من المذبحة، مرفقاً بصوت المخرج، الذي يبدو أنه تعمد الرواية بلهجة أرمنية مكسرة كأنما ليشيع مناخاً كوميدياً لا يبدو ملائماً لهذه الأجواء المأساوية لسيرة الأرمن والسوريين. يؤسس الفيلم بشكل شيق وواعد لخطوط نتوقعها مليئة بالحكايات: لقد رحل من نجا من المذبحة في العام 1915، ثم قضى بعض الناجين بعدما وصلوا إلى أماكن النزوح، حيث عاشوا مع السوريين في دير الزور خصوصاً. ثم، وبعد أقل من مئة عام، اضطر بعضهم إلى اجتياز كل تلك الحواجز ليصلوا إلى لبنان، حيث لا يستطيع بطل الفيلم الأرمني أن يشعر به بلداً له.
 
يعثر المخرج على كيفورك في لبنان، مغني أوبرا أرمني قررت عائلته النزوح بعدما أصاب صاروخ أحد أعمامه. كيفورك يغني للكاميرا، يتحدث أولاً عن أرمينيا التي هي أرضه، والتي من دونها لا هناءة للأرمني كما يقول، لكنه سيستدرك في ما بعد ليقول إنه جرب السفر والدراسة في أرمينيا لكنه لم يجد نفسه هناك، فاكتشف أن سوريا هي بلده وأنه يجب أن يعود إليها.
 
فجأة سيتحوّل كيفورك بلهجته السورية العامة (أو البيضاء كما تسمى اللهجة الوسط عادة) إلى لهجة أهل دير الزور، موطن نزوح أهله الأول ونشأته، سيتحدث بطلاقة ديرية، بلغة يبدو وكأنه وجد نفسه فيها للتو، وسيروي المأساة الراهنة للمدينة، كما سيبث حبه وتعلقه بها: "أحب دير الزور. روحي متعلقة بها. أحب شعبها، شوارعها، نهرها، جسرها الذي سقط. صحيح أنه سقط لكن الفرات احتضنه. سيأتي يوم ونعلق جسر الفرات مثلما كان. مثلما روحنا وجسدنا وكلنا متعلق بدير الزور". ثم يختم كيفورك بتنهيدة: "وآخ عليك يا بلدي".
 
يبدو كيفورك محور الفيلم وحكايته، التي، عبرها، يُفترض أن نتعرف على النزوح الأرمني الجديد، وعلى ظروف عيش الأرمن في الأمكنة الجديدة، فمن دونهم قد يتسرب إلينا الشك بأن كيفورك نزح وحده من دون الأرمن. لكن الفيلم يبقى عند كيفورك وحده. فأين الأرمن السوريون في الفيلم؟ هل تمايزوا في عيشهم عن بقية السوريين؟ هل عاشوا معهم في الخيام ذاتها؟ هل أقاموا في البرد ذاته؟ أين هم من أشقائهم من نازحي دير الزور؟ 
 
سرعان ما يقفل الفيلم باب الحكاية الأرمنية، تاركاً إيانا متلهفين للمزيد. سنفهم إذاً: هذا ليس فيلماً، إنه محاولة، أو ربما إعلان ترويجي عن فيلم قد نراه مستقبلاً.
 
من المفهوم أن الفيلم ومشتغليه يسعون إلى ردّ حاسم على حملة النظام ومناصريه التي تزعم حماية الأرمن في سوريا بعد معركة الساحل، وكأن الأرمن جزيرة معزولة عن باقي السوريين، لكن ينبغي أن يكون الفيلم فيلماً قبل كل شيء. هذه الدقائق التسع لا يسعها أن تروي حكاية المئة عام، لم يكن في وسعها حتى أن تروي حكاية اللحظة الأرمنية المستجدة.

 

increase حجم الخط decrease