"النظام التربوي مهدد، لا قدرة لنا في المدارس الرسميّة على إستيعاب أعداد الأطفال السوريين"، هذه العبارة هي خلاصة الكلمة التي ألقاها وزير التربية والتعليم العالي، إلياس أبي صعب منذ يومين. وبالتأكيد لم ينس أبي صعب خلال حديثه عن "أخطر أزمة"، تذكير المجتمع الدولي بتقديم مساعداته. إلّا أنّ الحقيقة الفعليّة بقيت في مكان آخر لم يصل إليه أبي صعب ولا غيره ممن يرددون الكلام نفسه بأن المدارس الرسميّة لا يمكنا إستيعاب الطلاب السوريين.
نهار أمس، الخميس عقدت منظمة "دعم لبنان" Lebanon support، لقاء تحت عنوان
"التعليم الرسمي واللاجئون السوريون في لبنان"، أضاءت فيه على امكانيات النظام التربوي اللبناني، والحلول التي يمكن اقتراحها لتحسين ظروف التعليم للاجئين السوريين في لبنان". هل هناك مقاعد كافيّة للتلاميذ السوريين؟" سؤال بدأ به الكاتب والناشط التربوي، وليد ضو، "وفقا لإحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء يظهر أنّ عدد الطلاب في المدارس الرسميّة قبل العام 2011 كان 275 ألف تلميذ. المفارقة هنا أنّه في العام 2012-2013 إنخفض العدد إلى 37 ألفا أي حوالي 72500 طالب، ذهبوا نحو المدارس الخاصّة، ما يعني أنّ أماكن هؤلاء الطلاب هي شاغرة. أمّا الدليل الثاني لقدرة التعليم الرسمي على إستيعاب الطلاب السوريين فيظهره التقرير الصادر عام 2007 عن التفتيش التربوي يظهر أن 1290 من أصل 1385 مدرسة رسميّة لديها شعب غير قانونيّة ( بحسب الأنظمة يجب أن يكون في الشعب الإبتدائيّة 15 تلميذاً وفي الثانويّة 10). أما الدليل الثالث فهو في معدل الأساتذة بالرسمي "أستاذ لكل 7.7 تلميذ" هناك 400 ألف طالب سوري بحاجة للتعليم، لم يتسجل منهم سوى 100 ألف، ووفقاً لعملية حسابية أجراها ضو، أوضح ما يلي: "لنحسب أنّ ال 400 ألف طالب دخلوا المدارس ولنقل أنّ المدارس الرسمية ما زالت تحوي ال 275 ألف تلميذ بحسب إحصاءات ال 2011، المجموع هو 675 ألف. إن قمنا بتقسيمهم على 30 ألف أستاذ، نجد أنّ المعدّل هو أستاذ لكل 20 تلميذ. إذن هناك مقاعد كافيّة يمكن لها أن تستوعب بسهولة الطلاب السوريين الموجودين، وهناك أيضا قانون مجانيّة الكتب التي تتراوح أسعارها بين 30 و 45 ألف بحد أقصى لجميع الكتب. "أي حاجة يتكلم عنها المسؤولين التربويين والحكوميين حين يطالبون بدعم من الجهات المانحة؟" يسأل ضو. نستنتج وفقا للأرقام أعلاه أنّ "أزمة الإستيعاب" التي يتكلّم عنها البعض غير موجودة، ولكن الأزمة الفعليّة تتلخص في مواقف كل من وزارة التربيّة والحكومة والنظام اللبناني. وموقفهم السلبي لا يحصره ضو باللاجئين السوريين، بل هو موقف عدائي تجاه الخدمات العامّة "تعليم، كهرباء، نقل عام، مياه" وهذا يبدو واضحا من خلال الهجوم الشرس لخصخصة هذه القطاعات ومن خلال السياسات المتّبعة لإضعاف المدارس الرسميّة والجامعات اللبنانيّة وإضعاف كل ما يمكن أن يؤمن الخدمات العامّة للمواطنين.
من جهة أخرى، أكدّ الدكتور عدنان الأمين أنّ النظام التعليمي لديه القدرة لإستيعاب اللاجئين، إلّا أنه يعاني من مشكلتين أساسيتين، الأولى هي في المنهج المتبع في المدارس الرسميّة، في عام 2000 إعتمد المنهج على أساس أن يتم تقييمه وتعديله على ضوء التجربة ورغم الملاحظات العديدة التي قدمت بعد التجربة، لم يتابع أحد الموضوع، ولم تتم التعديلات وعوضا عن ذلك في كل عام تصدر قرارات بإلاعفاء من بعض المواد. في حين أن المدارس الخاصّة كانت لديها قدرة التطوير على ضوء المناهج السابقة. المشكلة الثانية هي في القرار الصادر عام 2001 الذي يخوّل التعاقد بين أي شخص حائز على إجازة دون تحديد نوع الإجازة ودون حصولهم على إجازات تربويّة وبالتالي لم يعد هناك دور لأي من كليّة التربية أو دور المعلمين أو لمسابقات التعيين، والتعاقد هذا يتمّ مع المدارس بناءا على ضغوط سياسيّة محليّة. هذه الأسباب أدت إلى فساد الحياة المدرسيّة وأيضا إلى تراجع التعليم الرسمي وبالتالي خسارة أعداد كبيرة توجهت نحو التعليم الخاص. وشدّد الأمين على أنّ إدارة وزارة التربية تعمل تحت وطأة الضغوط السياسية التي تهيمن على كل نقطة وكل شريان من المدرسة الرسميّة، وتساءل كيف يمكن لإدارة ذات جهاز ضعيف أن تحل مشكلة اللاجئين السوريين. "الحل هو البحث على قدرات خارج الوزارة من منظمات لبنانيّة وسوريّة ومدارس ناشطة خراج إطار الوزارة. أمّا ضو فقد وجد أنّ الشرط الأساسي هو وجود الصدق والنيّة للتغيير.