"لم تأتِ الموافقة بعد"، عبارة بات موظفو الأمن العام يرددونها بكثرة للعمال والعاملات الأجانب من التابعية السريلنكيّة لدى ذهابهم للسؤال عن "إقامة" لأولادهم. في العادة تنجز إقامتهم خلال عشرة أيام في الحد الأقصى، بحسب ما يقول بعض هؤلاء، إلا أن الوضع بدأ يختلف منذ حوالي ثلاثة أشهر. فمنذ ذلك الوقت كل الطلبات المقدّمة للحصول على الإقامة للأطفال، فضلاً عن الأوراق الرسميّة المرفقة بها، محتجزة عند الأمن العام.
المشكلة هذه غير محصورة بعدد صغير من العائلات بحسب معلومات "مركز العمال المهاجرين"، الذي بدأ برصد الكثير من الحالات المشابهة، بالإضافة إلى تسجيل حالات ترحيل بحق ست عائلات، ذهبت لإنجاز الإقامة فتبلغت بدلاً من ذلك، مهلة ثلاثة أشهر لمغادرة لبنان.
"منذ أربعة أشهر، قدمنا طلب استحصال على إقامة لإبننا البالغ من العمر 14 عاماً، وحتى الآن لم نتلقَّ أي جواب. في البدء كانوا يقولون لنا أن نعود بعد 10 أيام، الآن يكتفون فقط بإخبارنا أنّ الموافقة لم تأت دون أي تفاصيل أخرى"، يقول شان (إسم مستعار)، ثم يكمل بنبرة خائفة "إبني ولد هنا، لا يمكن أن يرّحلوه هكذا ببساطة، هو الآن في الصف الثامن، ويتعلّم المنهاج اللبناني، كيف سيكمل دراسته هناك، وهو لا يجيد الكتابة باللغة السريلنكيّة".
بييرا (إسم مستعار) تعاني من المشكلة ذاتها، وإثر قرار ترحيل صديقتها مع أولادها منذ 21 يوماً، بدأت تشعر بالخوف من أن يحصل معها الأمر ذاته. "ما فيني إترك ولادي، الإم بترتاح هني وولادها حدّا، مين بدو ينتبه هونيك إذا بروحوا عالمدرسة، مين بدو يدرّسن؟ أنا ما بدي الجنسيّة، بس بسريلنكا ما عندي شغل، هون في شغل".
قرار الرحيل هذا، صدر أيضاً بحق طفلي شيلا (إسم مستعار) الذين منحوا مهلة أسابيع قليلة للمغادرة، إلّا أنهم لم يرحلوا بعد. فالكفيل يحاول جهده لإبقائهم ولكن حتى الآن لم تنجح مساعيه. لأماندا مشكلة أخرى تتخطى إنتظارها الموافقة على الإقامة، فإبنتها البالغة من العمر شهراً ونصف الشهر لا تزال دون تسجيل رسمي لأن أوراقها الرسمية هي وزوجها ما زالت منذ ذلك الحين محتجزة عند الأمن العام. والجواب الوحيد للتأخير الذي حصلت عليه هناك بحسب قولها "لأنو ممنوع تخلفي بايبي". أمام هذا الواقع المؤلم، تكتفي أماندا بالسؤال "كل أوراقنا رسميّة، ليه ما بدن يعطونا الإقامة ويردولنا الباسبور؟".
"المدن" قابلت سبع حالات من هذا النوع، تقاطعت قصصهم جميعاً عند المعاناة والإهانات التي يتعرض لها العمال والعاملات الأجانب، فضلاً عن أطفالهم، من دون إغفال الإختلاف في بعض التفاصيل. جميع هؤلاء تقريباً يرتعبون من فكرة الترحيل. إمرأة من بينهم انتهت إقامة إبنها منذ عشرة أيام، لكنها لا تزال مترددة في الذهاب إلى مركز الأمن العام لتجديد الإقامة.
من وجهة نظر قانونية يعلّق المحامي نزار صاغيّة، قائلاً أنه "لا يوجد بند يعطي حقاً مكتسباً أو يؤمّن الحماية للأجانب في النصوص الداخليّة للقوانين، لذلك علينا الإستناد إلى المبادئ العامّة التي ينص عليها القانون اللبناني، ومنها مبدأ لمّ الشمل، أي الحق في أن يأخذ الأولاد الإقامة على إسم الوالدين". ولكن، للأسف، يكمل صاغية "هذا المبدأ يسري على الفئة الأولى كالعائلة الفرنسيّة مثلاً، ولا يسري على الفئات التي تصنّف بحسب معايير مجتمعنا بالفئة الدنيا". ويضيف "هناك أيضاً مبدأ الثقة والإنتظار المشروع ما يعني أنّ الدولة لا يمكنها تغيير طريقة التعامل التي إتبعتها لسنوات طويلة، حيث فتحت الأبواب امام استقبال العمال الأجانب مع أطفالهم". فـ"العمال والعاملات رتبوا أمور حياتهم الأساسيّة وفقا لما كان معتمّداً ولا يمكن للدولة أن تقوم بتغيير قراراتها وأسلوبها هكذا بشكل مفاجئ وجذري".