يصل الرئيس الأميركي باراك أوباما الرياض اليوم للقاء العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز. قبل الزيارة، اطلق أوباما سلسلة من المواقف التي زادت في تفاقم الأزمة المندلعة بين الدولتين منذ شهور عديدة. الانفتاح على ايران، والانقسام حول العراق ومصر، وتراجع واشنطن عن توجيه ضربة عسكرية إلى قوات الأسد، بل حدّها من تدفق السلاح إلى الثوار السوريين، كلها مواضيع أدت إلى تباعد في مواقف الحكومتين الحليفتين، في وقت يحاول الرئيس الأميركي تبديد قلق السعوديين، وخصوصاً تجاه مفاوضاته المستمرة مع الإيرانيين.
لكن حتى قبل الزيارة، تشي تشكيلة الوفد الأميركي بصعوبة التقارب اذ تتضمن اعضاء مثل روبرت مالي، الذي كان حتى الأمس القريب يعمل مسؤول الشرق الأوسط في "مجموعة الأزمات الدولية". ومالي يتمتع بصداقة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وزاره مرارا في الماضي. كما كان مالي معروفا بصداقته مع سفير الأسد السابق في واشنطن عماد مصطفى، قبل انتقال الأخير إلى الصين.
ويقول مراقبون أميركيون، بسخرية، إن "الأسد سيعرف ما دار في اللقاءات الأميركية - السعودية (بسبب مالي)، قبل (وزير الدفاع تشاك) هيغل"، الذي يعتقد المراقبون انه آخر العارفين بسياسات أوباما، فهو تلقى اتصالا من الرئيس الأميركي اعلمه فيه، ولم يستشره، انه سيذهب إلى الكونغرس لطلب الموافقة لاستخدام القوة المسلحة في سوريا في سبتمبر/أيلول الماضي، حسب الروايات المتداولة.
على ان السعودية، بدورها، قد يكون في عداد مسؤوليها المشاركين في استقبال ولقاءات رئيس اميركا ووزير خارجيته جون كيري مدير الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان. وكان كيري صرح علنا في الماضي ان هناك اشخاصا ممن يعكرون العلاقات بين البلدين، ملمحا إلى دور سلبي يلعبه المسؤول السعودي.
والأمير بندر سبق ان عمل لمدة طويلة امتدت على مدى عهود اربع رؤساء اميركيين بين الأعوام ١٩٨٣ و٢٠٠٥ سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة، ما يجعله خبيرا محنكا في اساليب واشنطن، وهو منذ تسلم منصبه الحالي في منتصف العام ٢٠١٢، قام بالإشراف بشكل اساسي على دور بلاده في الأزمة السورية، مع ما سببه تقاعس الأميركيين من احباط لديه دفعه على استخدام مزيج من الوسائل اغضبت الأميركيين، فكان تارة يعمد إلى ارسال رسائل غاضبة عبر ديبلوماسيين اوروبيين، وطورا يرسل تسريبات إلى الصحف الأميركية الكبرى.
اما القشة التي قصمت ظهر البعير لدى الأميركيين، حسب مصادر مطلعة، فجاءت اثناء احدى زيارات كيري إلى الرياض طلب فيها لقاء مدير الاستخبارات السعودية، فما كان من الأخير الا ان رد عليه بالقول انه في طريقه للسفر خارج البلاد، مقترحا عقد اللقاء بينهما في المطار، وهو ما اغضب المسؤول الأميركي الذي ينقل عنه مقربون قوله: "هل يعرف هذا الرجل من انا؟ انا وزير خارجية الولايات المتحدة".
وتختلط المناكفات الشخصية بين الدولتين بالشؤون الإقليمية، اذ تنقل مصادر غضب السعوديين من الأميركيين اثر قيام واشنطن بالطلب من عمان باغلاق الحدود الأردنية امام مرور اي شحنات سلاح للثوار السوريين اثناء مواجهات بلدة يبرود. وفي التفاصيل انه اثناء حصار قوات الأسد و"حزب الله" والميليشيات العراقية ليبرود، حاول الثوار تخفيف الضغط عنها بفتح جبهات جنوبية نجحوا في بادئ الأمر في احراز نجاحات. الا ان نفاد الذخيرة منهم، واغلاق الحدود الأردنية، اجبرهم على التراجع وساهم في سقوط يبرود.
وفي العراق، تتمتع واشنطن بعلاقة جيدة مع رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي تعتبره الرياض خصما بسب انحيازه إلى جانب ايران ومساهمته في تزويد الأسد بالسلاح وسماحه بمرور المقاتلين الشيعة للمشاركة في القتال إلى جانب قوات الأسد.
اما في مصر، فتفترق العاصمتان حول كيفية التعامل مع الأحداث هناك، مع تأييد سعودي للمؤسسة العسكرية المصرية وزعيمها عبدالفتاح السيسي، الذي اعلن ترشيحه إلى منصب الرئاسة، اول من امس، في وقت تتأرجح الولايات المتحدة بين قبول الجيش وبين رفض اخراجه الرئيس المنتخب محمد مرسي من الحكم بالقوة.
الإ ان العلاقة المتأزمة بين واشنطن والرياض فيها ومضات ايجابية، من قبيل التعاون في مكافحة الإرهاب، فواشنطن وتسعة من حلفائها المذعورين من امكانية عودة متطرفين من المقاتلين الأجانب من سورية إلى بلدانهم لتنفيذ اعمال ارهابية فيها، ترى في السعودية مفتاحا اساسيا في تحديد هؤلاء المتطرفين وعزلهم استباقيا.
وكان وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف زار واشنطن مؤخرا وعقد فيها لقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولي مكافحة الإرهاب.
هكذا، تتوقع الأوساط الأميركية ان يبادر أوباما إلى افتتاح لقائه مع المسؤولين السعوديين بالإشارة إلى مساحات التعاون المشتركة والدعوة إلى تعزيزها والبناء عليها، في سوريا كما في عموم المنطقة، وهو ما سيدفع السعوديين إلى القول بأنهم ومصر والإمارات والبحرين ادرجوا تنظيم "الإخوان المسلمين" على لوائحهم للتنظيمات الإرهابية، وانهم يتوقعون تعاونا اميركيا، على الرغم من ان واشنطن لم تذهب إلى هذا الحد مع الإخوان نظرا لتمييز اميركا بين المجموعات الإسلامية، على انواعها، التي لا تعتبرها ارهابية، وتلك التي تتبنى "الجهاد العالمي"، والتي تصنفها اميركا حكما مجموعات ارهابية.
وبعد الإرهاب، سيعمد الرئيس الأميركي إلى تأكيد التزام بلاده بأمن السعودية والخليج، مع ما يعني ذلك بالضرورة منع ايران من حيازة سلاحا نوويا. لكن ذلك لن يمنع واشنطن من الخوض في مفاوضات مع طهران والبحث عن فرص انفتاح وربما صداقة، وهذه سيؤكد أوباما انها لن تأتي على حساب التحالف مع السعودية، فيما من المتوقع ان يحذر السعوديون من جدية الإيرانيين ومن امكانية محاولة خداعهم المجتمع الدولي.
إذاً مواقف الطرفين معروفة، ومن غير المرجح أن ينجح أي منهما في تعديل مواقف الآخر جذريا. لكن المصادر الأميركية تعتقد أنه "في الحد الأدنى، يكون الرئيس أوباما قام بما عليه لتطمين حليفته العربية الأساسية واطلاعها على سياسته الشرق أوسطية، وخصوصاً تجاه إيران".