الخميس 2024/05/02

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

عيتا الشعب: "أم العز" والغار والتبغ

الخميس 2024/05/02
عيتا الشعب: "أم العز" والغار والتبغ
تعرضت عيتا الشعب وأطرافها إلى أكثر من 500 غارة (Getty)
increase حجم الخط decrease

"عيتاااا إيه عيتا.. يا إم العزّ طمنينا كيف هالشعب"، جملة من نشيد للشاعر مصطفى نور الدين، صدح بها صوت الفنان القدير رفيق علي أحمد، ملأت كل الشاشات والحناجر، في أعقاب عدوان تموز- آب 2006، الذي حولت خلاله إسرائيل بلدة عيتا الشعب، إلى ركام ما بعده ركام.

أوجاع وآلام تموز
حال أهل عيتا اليوم يكاد يشبه معارك الـ33 يوماً بالكمال والتمام، التي سجلت على أرضها ملحمة، مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكانت فيها المواجهات، من نقطة الصفر مع المقاومين، فاستشهد العشرات من أبنائها وأسر بعضهم ودمرت غالبية بيوتها وممتلكاتها، التي أعيد إعمارها بتمويل من دولة قطر.

قبل 18 عاماً، إلا شهرين، كانت" خلة وردة" وهي بقعة جغرافية في عيتا الشعب، تجاور الأراضي الفلسطينية، التي سلخ جزء منها، عند ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين، على يد الإنتدابين الفرنسي والإنكليزي، على موعد مع إطلاق شرارة حرب تموز، بعد أسر حزب الله جنديين إسرائيليين في المنطقة.
تستعيد عيتا الشعب، في قضاء بنت جبيل، التي يربو سكانها على 12 ألف نسمة، يعتاشون من ما تنتجه أرضهم المكللة بالغار، والمسيجة بأشجار السنديان الضاربة في التاريخ، ومروج التبغ، الممتدة إلى جاراتها، رميش والقوزح وراميا، أوجاع وآلام تموز، فتتصدر عدد "الشهداء على طريق القدس" من أبنائها، وأيضاً الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا على أرضها، منذ بدء عمليات الإسناد والدعم لغزة.

غارات يومية
بلغ عدد شهداء عيتا الشعب، وغالبيتهم من عناصر حزب الله 14 شهيداً، دفنوا في ترابها، وأحصي تنفيذ طائرات العدو الحربية والمسيرة أكثر من 500 غارة وآلاف القذائف المدفعية والفوسفورية، التي نجم عنها إلى الآن تدمير ما ينوف على مئة منزل ومؤسسة تجارية تدميراً كلياً، وتضرر مئات المنازل، وفق ما يؤكده رئيس بلديتها محمد سرور لـ"المدن".

لا يمر يوم واحد من دون تسجيل غارات وقصف مدفعي على عيتا الشعب، التي نزح جميع أبنائها، باستثناء بعض الأفراد، إلى منطقة صور، على وجه التحديد، محملين بهموم النزوح عن ديارهم وأرزاقهم، التي تيبس أمام أعينهم، وهم غير قادرين على فعل أي شي، سوى الصبر، إلى حين توقف العدوان الإسرائيلي، والعودة إليها لتجميع قواهم من جديد، كما كان ذلك بعد حرب تموز 2006.

حجم الخسائر والأضرار المباشرة وغير المباشرة، في منازل ومؤسسات ومزروعات وأحراج والبنية التحتية في عيتا الشعب، لا يمكن إحصاؤها، إلا بعد وضع الحرب أوزارها ومسح الأضرار.

رئيس البلدية:
وفي هذا السياق، يقول رئيس البلدية محمد سرور، إنه إضافة إلى الدمار، الذي حل بمنازل البلدة، فقد دمر العدو مقومات الحياة لفترة طويلة، فمحى ثلاث محطات للوقود ومعصرة للزيتون ومحلات مواد غذائية. وأحرق آلاف أشجار السنديان، ومنها أحراج منطقة الراهب. وعطّل إنتاح موسم التبغ، الذي يبلغ سنوياً حوالى عشرة آلاف طرد دخان "بالة" تسلم لإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية، "الريجي". ويعمل على إنتاجها أكثر من 800 مزارع، يحتلون المرتبة الثالثة، بعد عيترون ورميش، في زراعة التبغ على مستوى لبنان.

ويضيف سرور لـ"المدن"، أن خسائر الإنتاج وما بعد الإنتاج، قد طال أيضاً موسم زيت الغار، الذي يضاهي ثمنه زيت الزيتون، حيث تعد البلدة أكبر غارسة لاشجار الغار في لبنان، التي تشكل توأماً لبيوتها، إلى جانب الخسائر الكبيرة والمباشرة في حقول الزيتون وأحراج السنديان، ألتي أحرق ولوث قسم كبير منها بالقذائف الفوسفورية المحرمة دولياً.
ويختم سرور، إن ما ينشده أهل عيتا الشعب هو توقف العدوان الإسرائيلي، حتى يتمكنوا من العودة إلى دورهم وزرعهم وأرضهم، كسائر البلدات والقرى الجنوبية، التي قدمت ولا تزال الكثير من أجل قضية فلسطين، منذ العام 1948 إلى يومنا هذا. مذكراً بأن عيتا الشعب، التي يفصلها شريط شائك عن فلسطين، كانت من أوائل البلدات التي احتضت الفلسطينيين الذين هجروا ظلماً عن بلدهم. ولا يخفي سرور تذمره الشديد من استغلال بعض المواطنين للنازحين، لناحية رفع بدلات الإيجار. مشيداً في الوقت نفسه بمبادرات آلاف العائلات، التي آوت النازحين في بيوتها من دون بدل مالي.

الدمار في كل مكان
تحول الشارع الرئيسي للقرية، المزروع بالمحال التجارية على جانبيه، ابتداء من أول رميش من ناحية الشرق، وأول راميا، من جهة الغرب، إلى أثر بعد عين، جراء الغارات الحربية المتواصلة على تلك المنطقة، متسببة بتدمير وتضرر المئات من المؤسسات، وإحراق وتلف ما تحتويه من مواد، سواء كانت غذائية أو بضائع أخرى، كانت تشكل الدخل الرئيسي لكثير من عائلات البلدة، الذين حولوا بلدتهم إلى ما يشبه المدينة الصغيرة، البالغة مساحتها 11 كيلومتراً مربعاً.
صار عباس رحمة "أبو أحمد" واحداً من عناوين النزوح عن بلدته، التي تركها بعد إغراقها بالقصف الإسرائيلي، فحط رحاله، في جوار مدينة صور، وبادر إلى إنشاء بسطة خضار على المدخل الشرقي للمدينة، ميزتها لافتة صغيرة كتب عليها (عيتا إم العز)، ولم تسلم بسطته من مضايقات القوى الأمنية -"الدرك"، بحجة تأثيرها على حركة السير.

يقول رحمة لـ"المدن": لقد تسببت الاعتداءات الإسرائيلية على بلدتي، عيتا الشعب، بتضرر محلاتي المخصصة لبيع المواد الغذائية (سوبر ماركت) وتلفت كل ما تحتويه من مواد وبرادات بقيمة أكثر من مئة ألف دولار أميركي.
ويتابع رحمة، استأجرت منزلاً في ضواحي صور، ببدل شهري قيمته ستمئة دولار أميركي، يتم تغطية جزء منه، تحت عنوان بدل إيواء، من جانب حزب الله، مثل الكثير من النازحين الجنوبيين.
ويؤكد رحمة أن كل همنا هو عودتنا إلى بلدتنا، التي تدفع في كل مرة ثمن صمودها ووقوفها إلى جانب قضية فلسطين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها