الثلاثاء 2024/04/30

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

حانين: سويت بالأرض عام 1976 وأعادت إعمارها الكويت

الثلاثاء 2024/04/30
حانين: سويت بالأرض عام 1976 وأعادت إعمارها الكويت
7 شهداء سقطوا على أرضها (المدن)
increase حجم الخط decrease

أذكر أنه في الخامس والعشرين من أيار العام ألفين، كانت الوجهة الأولى لتغطيتنا الصحافية، بلدة حانين. وكان يتملكني الشغف للوصول إلى هذه القرية "البنت جبيلية" الوادعة، لكثرة ما سمعت، من جيراننا، من مهجري حانين، القادمين إلى منطقة صور، عن ما حل بهم وببيوتهم وأرزاقهم، وتحولها إلى أرض قاحلة، إلا من بعض الأشجار الهرمة، ومنها أشجار الزيتون، بعدما جُرفت بيوتها عن بكرة أبيها.

التهجير الأول.. 
جرى ذلك في 16 تشرين الاول من العام 1976، عندما رفض أبناء البلدة، الواقعة على ارتفاع أكثر من 650 متراً، بين بلدات الطيري ورشاف من جهة الشمال وعين إبل ودبل، من ناحية الجنوب، التنسيق والتعاون مع العدو الإسرائيلي، عبر ما يسمى بـ"جيش لبنان الجنوبي"، بقيادة سعد حداد.

في ذلك التاريخ، وبعد أكثر من شهرين من عزلها عن سائر القرى، باستثناء طريق ترابي إلى الطيري، ارتكب المتعاونون مع الاحتلال، الذي كان لا ينفك عن قصفها، من مرابضه عند الحدود اللبنانية الفلسطينية، مجزرة بحق المدنيين، ذهب ضحيتها ستة شهداء وعدد كبير من الجرحى وتهجير كامل أهلها إلى خارج المنطقة، الذين تشتتوا في بلدات صور خصوصاً، وأنشأ عدد كبير منهم (حانين الثانية) على تل بين وادي جيلو والبازورية وطيردبا، سميت جبل حانين.
بعد العام ألفين انتصبت حانين مجدداً، وعاد أهلها، ليبنوا بيوتهم، بتمويل كامل من دولة الكويت، ويتولوا بأنفسهم زرع أراضيهم، التي كانت تحن إلى محاريث أهلها، بعد تهجير دام 24 عاماً.

الحرب الراهنة
في "حرب الإشغال والإسناد"، التي تلامس شهرها السابع، تُقصف حانين، القريبة من حدود فلسطين، بالطائرات الإسرائيلية والقذائف المدفعية، فارضة على أهلها نزوحاً قسرياً، خرقته بعض العائلات التي أبت ترك منازلها. فكانت ضريبة الصمود سقوط عدد منهم شهداء، كان آخرهم الشهيدتين مريم قشاقش، وإبنة شقيقها سارة قشاقش 11 عاماً، اللتين دفنتا في البلدة على وقع تواصل الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.

يؤكد رئيس بلديتها علي شهاب، أن حانين هي واحدة من البلدات التي طالها تدمير أكثر من 12 وحدة سكنية، وتضرر عشرات المنازل والمرافق الحيوية فيها. مشيراً إلى استمرار عدد قليل جداً من العائلات في العيش في البلدة، بالرغم من كل المخاطر.

ويضيف شهاب لـ"المدن"، أن سبعة شهداء سقطوا على أرض حانين، منذ الثامن من تشرين 2023، بينهم "شهيد على طريق القدس" (كميل سويدان) من أبناء البلدة، وأربعة شهداء آخرين من خارجها، بقصف استهدف مقراً للهيئة الصحية الإسلامية، إلى جانب عشرات الجرحى وتضرر شبكات كهرباء ومياه ومحطة ضخ البئر الإرتوازية، التي تغذي البلدة بالمياه. وعملت البلدية، بعد تنسيق مع الجيش اللبناني وعبره قوات اليونيفيل، على إصلاح هذه الأعطال. لافتاً إلى تقديم جهات مانحة مادة المازوت للمولد الكهربائي، لضخ المياه من البئر.
وأشار شهاب، إلى ان غالبية أهالي حانين، التي يبلغ عدد أبنائها أكثر من أربعة آلاف نسمة، ويوجد فيها مجلس بلدي مؤلف من 12 عضواً، ومجلس اختياري من مختارين، قد نزحوا إلى منطقة صور. وغالبيتهم يملك بيوتاً فيها، منذ ما قبل التحرير العام 2000، في حين استاجر بعضهم منازل.
هذا وتقوم البلدية بالتواصل مع أبناء حانين المغتربين والمقيمين لا سيما المقتدرين منهم، لجمع التبرعات المالية، يصار من خلالها إلى تغطية حاجيات النازحين بالحد الأدنى، ومنها مواد غذائية وبدلات مالية نقدية والمساعدة في تأمين علاجات الأمراض المزمنة.
ويلفت شهاب، إلى أن قسماً كبيراً من أبناء البلدة، يعتمد على الزراعة، لا سيما القمح والزيتون، وأيضاً زراعة التبغ، الذي حرم المزارعون من موسم العام الحالي جراء استمرار العدوان.

نسخة من أبراج الكويت في حانين


الكويت أعادت إعمارها
شغل غسان أبو جهجه، أمين سر لجنة إعادة إعمار حانين، بعد العام ألفين. ويوضح أبو جهجه، أنه في العام 1976، لم يبق في حانين منزل واحد. فأكثر من مئة منزل سويت بالأرض انتقاماً من مواقف أهلها، بما في ذلك مدرسة البلدة. ولم يبق على كل أرضها الواسعة سوى مسجد صغير(جامع بنات يعقوب)، الذي حوله العملاء إلى زريبة للأبقار، فيما لم يسلم مسجد الشيخ حسن الحانيني، الذي يعود بناؤه لاكثر من أربعمئة عام.

ويلفت أبو جهجه لـ"المدن"، إلى أن دولة الكويت، عبر الصندوق الكويتي للتنمية، أعادت بعد التحرير بناء منازل حانين من جديد. فتكفلت ببناء 400 وحدة سكنية للأصول والفروع بشكل كامل، وتمديد شبكة مياه وطرقات لكامل البلدة، إضافة إلى تعبيد طرقات زراعية، وقصر للمياه، بينما عمل مجلس الجنوب، على بناء مدرسة كبيرة وتمديد شبكة الكهرباء، فيما ساهمت جمعية الشبان المسيحية بتعبيد طريق حانين الطيري. مشيراً إلى أن مجلس الجنوب بتوجيهات من الرئيس نبيه برّي، ووفاء لدولة الكويت، أقيمت في البلدة نسخة من أبراج الكويت الشهيرة، التي تعد علامة فارقة في الجنوب.
ويذكر أبو جهجه أن حانين كانت حاضنة لليسار اللبناني، وفي المقدمة حزب البعث العربي الإشتراكي، حيث خاض أحد أفراده المرحوم علي يوسف، الانتخابات النيابية في العام 1972، في مواجهة الإقطاع السياسي، إلى جانب الطبيب الشيوعي أحمد مراد.

شهادة المربّي
كان المربي علي حسين في سن الثالثة والعشرين، عند تهجير أبناء حانين وتدمير بيوتهم العام 1976. ويقول: أذكر حصار حانين الذي استمر لشهرين، من جانب العملاء وبمؤازرة من مدفعية العدو التي كانت تقصف البلدة، فهاجمها عملاء إسرائيل، الذين قتلوا ستة من أبنائها العزل، وهم الشهداء بدر الشامي، هلا شعيتو، محمد حسن قشاقش، علي محمد شهاب، مريم خليل عباس، وأحمد صوفان.

وأضاف، لا غرابة أن ترى أهلنا، وهم يقفون بثبات وصلابة مع القضية الفلسطينية منذ العام 1948، فقضية الحق والعدالة والإنسانية هي قضية الأحرار والشرفاء في العالم.
وقال حسين إن حانين، التي تتعرض مع البلدات والقرى الأخرى للعدوان الإسرائيلي، وسقط العديد من أبنائها شهداء، ستستمر في حمل لواء التحرير والحرية. وكلنا يعلم أن هذا اللواء دونه تضحيات جسام ودماء وشهداء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها