الأحد 2024/05/05

آخر تحديث: 07:16 (بيروت)

ماغدا شعبان... "بوب آرت" الواقع المر

الأحد 2024/05/05
increase حجم الخط decrease
تقيم صالة The Gallerist (الأشرفية، سوديكو سكوير، بلوك B) معرضاً للفنانة ماغدا شعبان، تحت عنوان “Disconnected”، أي ما يمكن ترجمته إلى العربية "إتصال مقطوع". يتضمّن المعرض ما يقرب من 22 لوحة مشغولة بمادة الأكريليك، وذات أحجام مختلفة. هذا، وكان افتتاح المعرض قد ترافق مع توقيع كتاب شعبان "وج وقفا".

وكما في معرضها السابق، فقد اعتادت الفنانة أن تكتب نصاً موازياً لما صنعته من أعمال. هذا النص، كما سابقه الذي ترافق مع معرض آخر، لا يتطرّق مباشرة إلى العمل الفني، ولا يسعى إلى تفسيره، كما هي العادة في بعض الأحيان. "الساعة السابعة مساء ينقطع التيّار الكهربائي فجأة. تغرق الغرفة في ظلام حالك. أتابع كتابة فروضي المدرسية على ضوء شمعة"، تكتب شعبان. من ثم تنتقل إلى الحديث عن رسومها الأولى الأشبه بمنحوتات، وقد بقيت لفترة طويلة تخشى العتمة. 

تنصرف الفنانة، أيضاً، إلى ذكر التحديات العديدة وقساوة الحياة اليومية، التي كانت ذكرتها سابقاً، والتي ما زالت تعصف بسكان هذا البلد، وتلقي بهم في متاهات الفراغ والعدم. هذا التكرار، إن أشار إلى شيء، فهو يدل على أن الظروف الموضوعية لم تتغير، ولم يتبدل شيء من مفاعيلها. الوضع ما زال على ما هو عليه، بل ازداد سوءاً. حتى التواصل عبر شبكة الإنترنت، لنسج علاقة ما مع المحيط، ليس متاحاً إلاً ضمن الحدود التي تسمح بها قوة هذه الشبكة المزاجية، التي تضعف وتقوى، متأرجحةً كيفما تشاء، ولا تركن إلى وضع ثابت يريح النفس والأعصاب، نحن منفصلون ومتصلون في الوقت نفسه، كما يبدو. من هنا يمكن فهم عنوان المعرض، علماً أن الفصل والوصل لا يقتصر على شبكة تواصل فحسب، بل من الممكن أن ينسحب على أمور أكثر شمولية، تطاول فروع العيش في مجملها.

الرسم لدى شعبان هو عبارة عن مخرج من المتاهة. ولطالما كان الفن، في فروعه المختلفة، ملجأً يمكن الركون إليه حين توصد أبواب العيش المعتادة. ثمة، دائماً، شبابيك تطلّ على مشاهد أخرى.. من خلال الذات، وتلك المشاهد ليست مأسوية بالضرورة، إذا ما نُظر إليها بعين الدراما. لسنا هنا، حيال ما نراه من أعمال شعبان، أمام نص تعبيري على النحو الذي نشهده في مطارح أخرى، بل نحن أمام أعمال تحمل قدراً من السخرية غير المجانية، ووجهاً من الفكاهة، و بعض مداخل الكاريكاتور (في المعنى الذي لا ينتقص من دوره كأحد أنواع الفنون)، وذلك من حيث تقنيات التنفيذ. لكن هذه الرسوم تختلف عن الكاريكاتور ذي الطابع السياسي بأهدافه المعروفة، إذ هي تمثل صوراً تعكس واقعاً في شكل نسبي، ولو عبر مشاهد  تطغى عليها النظرة الذاتية، التي لا تلتزم تمثيلاً حرفياً لما يمكن أن يحدث في الواقع المذكور.

وما يثير الإنتباه لدى معاينة الأعمال المعروضة، هو العمل الحثيث على "الإخراج"، ونعني هنا ناحية بناء اللوحة، وتوزيع عناصرها ضمن نظام تأليفي مبتكر، يشبه، في بعض مظاهره، تقنيات الفعل السينمائي. فالعمل، لدى الفنانة، يلتقط لحظة، أو لحظات ضمن أوضاع معينة، لا تغيب عن بعضها ناحية الفكاهة، المذكورة سلفاً، كأن ترسم شخصية تقرأ الصحيفة في المرحاض، أو امرأة مع آلتها الكاتبة وتفاحة في يدها، وهي في المرحاض بدورها. هذه المشاهد، التي قد لا نراها في الواقع، كما هي عليه في العمل الفني، لكنها تختصر أفكاراً شاءت الفنانة التعبير عنها، وهي تشتق، إلى حد ما، من الفكرة الأساسية حول الإتصال المقطوع، الذي هو، في هذه الحالة، ينسحب على صور تقطع مع اللحظة الحاضرة، ويتم إخراجها بحسب نمط معيّن، ربما رأينا في بعضه أطيافاً سوريالية.
في ما سبق ذكره، لا تولي شعبان اللون دوراً رئيسياً. الأعمال هي أقرب، عمداً، إلى النهج الغرافيكي، منها إلى البحث المعمّق في حيثيات اللون. يأتي هذا اللون، في بعض الأحيان، من أجل تحديد حجم القامة البشرية، أو بعض مكوناتها. كما أن الخلفية تلعب دوراً محايداً، وهي تمتزج أحياناً بالمتن، لذا فإن مسألة الأبعاد لا تشكّل هماً بالنسبة للفنانة، بل يبقى الهم الأساسي هو إيصال الفكرة، في شكل بعيد من التعقيد، وأقرب إلى إمكانات المتلقي، المستمتع بما يراه، مع ابتسامة ربما ارتسمت على شفافه. هذه المهمّة هي إحدى مهمات الـ"بوب آرت"، الذي لا بد من أن ننسب أعمال ماغدا شعبان إلى أحد مظاهره الشديدة التنوّع، وهو الذي لا يقتصر على أسلوب واحد، بل يترك للفنان حرية كاملة كانت الفنانة أحسنت استخدامها.

يستمر المعرض حتى 11 أيار / مايو في غاليري The Gallerist، الأشرفية، سوديكو سكوير، بلوك B
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها