الأحد 2021/04/18

آخر تحديث: 00:19 (بيروت)

رينيه الديك عارية.. من الأهل ببيروت المسرح والرسم والليل

الأحد 2021/04/18
رينيه الديك عارية.. من الأهل ببيروت المسرح والرسم والليل
رينيه الديك وأنطوان كرباج في مشهد مسرحي من أيام المسرح اللبناني الحديث مطلع الستينات (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
بعد حلقة أولى من سيرة رينيه الديك (1943 - 2021) روت شذرات من طفولتها وصباها الأول في جونية الخمسينات، ونشرتها "المدن" مواكبةً لرحيلها الأربعاء 14 نيسان، هنا حلقة ثانية وأخيرة، تروي مقتطفات من حياتها في بيروت المسرح والرسم والحياة الفنية والليل في الستينات.

وقبل سنوات كانت رينيه الديك قد روت هذه السيرة عن اختيارها الخروج من الطريق المرسومة لفتاة الأهل والمجتمع والزواج والإنجاب، إلى امرأة المدينة (بيروت الستينات) والفن والرسم والفردية والمسرح اللبناني الحديث. وسيرتها هذه غير مكتملة، وهي مكتوبة بصيغة المتكلم.

باب إدريس والحمراء
في مرسم ميشال المير تعرفتُ أولًا إلى الفنان رشيد وهبي في نهاية الخمسينات. ثم أخذ المير يصطحبني إلى الغداء في "مطعم مسعود" في باب إدريس. وكان يتردد المطعم مثقفون وفنانون، فتعرفت إلى بول غيراغوسيان وجلال خوري وإيلي كنعان، فزادوني حماسة للانخراط في الحياة الفنية التي ما كنت أصلًا أحتاج إلى من يحمسني للانخراط فيها. وفي "مطعم مسعود" تعرفت إلى رسام روسي اسمه كاساسينانوف، قرر وميشال المير أن أكون "موديلًا" لرسومهما، أنا من كان جسمي متناسقًا وجميلًا.

في البداية أخافني الأمر. لكن ميشال المير راح يزودني كتبًا عن الفن التشكيلي وعن معنى "الموديل" ليشجعني ويقلل من خوفي. فعرفت أهمية "الموديل" في الفن، وأن هناك فنانين تزوجوا نساءً كنَّ يجلسن لهم لرسمهن بصفتهن "موديلًا". لكنني ظللت سنة كاملة على خوفي من الفكرة ورفضي إياها، فحملني ذلك على الانقطاع عن صحبة أولئك الفنانين. وفي الأثناء قرأت في جريدة إعلانًا عن عروض مسرحية "مكبث" في جبيل، وكنت آنذاك قد بدأت أستعيد صلتي ببيت أهلي وبأمي في جونيه. ولما أطلعت ميشال المير على رغبتي في أن أكون في عداد ممثلي المسرحية المعلن عنها في الجريدة، قال لي إنه سيعرفني إلى المخرج، شرط موافقتي على الجلوس له "موديلًا" ليرسمني في محترفه، فوافقت على ألّا يطلع أحدًا على موافقتي وفعلتي. وهكذا تعرفت على منير أبو دبس وأنطوان كرباج في محترف ميشال المير. وبعد أيام صرت بين المتدربات في محترف–مدرسة منير أبو دبس للمسرح، في منزل قديم مخصص للتدريبات في محلة المنارة ببيروت.

في تلك الفترة، قبيل ازدهار شارع الحمراء، كانت باب إديس، بمقاهيها ومطاعمها، ملتقى الفنانين والشعراء والصحافيين. فبين "مطعم مسعود" و"باتيسري سويس"، كنت ألتقي بجماعة مجلة "شعر": أدونيس، أنسي الحاج، ويوسف الخال. وليلًا كان الملتقى في "مطعم العجمي". وهناك تعرفت إلى المسرحي رينه حلو وإيفيت سرسق. وبعد مدة قصيرة ظهرت الحمراء بمقاهيها. في البداية كان المقهى الأشهر هو "نغرسكو" الذي أمسى لاحقًا "المودكا". في داخل المقهى بار صغير، وفي الخارج سطيحة صغيرة لتناول القهوة. ومن السطيحة المظللة بالأشجار كان ينزل درج إلى مطعم صغير فيه مقاعد خشبية لتناول الدجاج المشوي مع كأس مجاني من النبيذ. وإلى ذلك المطعم الصغير، تحت "نغرسكو"، كان يتردد المثقفون والكتّاب والفنانون، فتعرفت إلى هاني أبي صالح، الكاتب والرسام، وإلى منير نجم. ومن الأماكن التي ترددت عليها مقهى "لا بالبيت" في ساحة البرج.

صامتة بين فنانين ومثقفين
حدث ذلك كله في سنة ونصف السنة، قبل تعرفي إلى منير أبو دبس، وانضمامي إلى محترفه المسرحي. وكنت آنذاك شغوفة بتلك الأجواء، وبتعرفي إلى أولئك الأشخاص الذين كنت أصغي إلى أحاديثهم في الفن والأفكار، ونادرًا ما أتكلم.

وراحت جونيه، تلك المدينة الهادئة المضجرة بمنظرها الطبيعي الجميل، تبتعد وتصير خلفي، وابتعد أهلي وبيتهم فيها، وكذلك أصدقاء مدرستي وصديقاتها، أولئك الذين واللواتي يندر بينهم وبينهن من تابع الدراسة في الجامعة. فآنذاك لم يكن يكمل الدراسة الجامعية سوى الأغنياء، والشبان في الغالب، مختارين دراسة الطب أو الهندسة أو المحاماة. أتذكر فتاة من زميلات المدرسة تابعت دراسة الصيدلة. أما معظم زميلاتي فانخرطن في مهنة التعليم التي تناسب بيئتهن وتقاليدهن الاجتماعية. لقد كان الأبناء والبنات يستجيبون وتستجبن طموحات أهلهم، على عكس ما فعلت أنا من ساقتني خياراتي الشخصية التي أقامت شرخًا أو هوة بيني وبين أهلي وبيئتهم.

وربما كنت فريدة في انضمامي إلى أجواء الفنانين والمثقفين وفي غربتي عنها. وإذا ما ذكرت ليلى بعلبكي، التي تعرفت إليها في تلك الأجواء، فهي لم تكن مثلي فريدة وغريبة وجديدة في ذلك الوسط، بل تختلف عني في انتمائها الأصيل إليه. وكنت كذلك صغيرة السن بين صانعي أجواء ذلك العالم. فميرنا فاخوري كانت قد سبقتني بسنتين أو ثلاث في انضمامها إلى مسرح منير أبو دبس. ونضال الأشقر جاءت من بيئة اجتماعية وسياسية تسمح لها بالانضمام إليه، على خلاف البيئة التي جئت منها. كانت نضال الأشقر محاطة بعائلة وببيئة اجتماعية مختلطة يشجعانها ويحميانها، فيما كنت أشعر أنني عارية من الحمايات العائلية ويتيمة في ذلك الوسط. لكن شعوري هذا سرعان ما غادرني، لأن ذلك الوسط الفني تبنّاني وأخذ بيدي.. وجرفتني سيولة الحياة في بيروت، رأس بيروت تحديدًا، وامتلأت بها. لكن النميمة كانت تلابس تفاصيل العلاقات القائمة بين المنخرطين في ذلك الوسط. والتنافس والتنافر والضغائن كانت حادة بينهم وبينهن. لكن كلًا منهم ومنهن كان يخفيها ويكتمها عندما يلتقي بالآخرين ويجالسهم.

ليالي الحمراء والزيتونة
ومع انتقال مكاتب جريدة "النهار" من باب إدريس إلى الحمراء، افتُتح في مبنى الجريدة الجديد مقهى اسمه "لابرس"، وكانت تلتئم فيه ندوة أسبوعية ثقافية وفنية. وفي بار افتتح حديثًا آنذاك في شارع المقدسي، كانت تلتئم أيضًا لقاءات وسهرات يختلط فيها تأليف الشعر الهزلي وقراءته، بالأدوار المسرحية الفكاهية التي تؤدى عفويًا. وبعدما انخرطت في أجواء محترف منير أبو دبس للمسرح، صرنا نرتاد "الكاف دو روا" في الزيتونة، وكذلك بار "ويسكي أو بون بون"، وكان عازف بيانو ليلي يكثر من العزف فيه. وفي الرابعة صباحًا، بعدما ينهكنا الرقص في "الكاف دو روا"، غالبًا ما كنا نستقبل أضواء الفجر الأولى على فناجين قهوة في "الدولشي فيتا". وعام 1964 افتتح مقهى "الهورس شو" في الحمراء، فانتقلنا إليه.

موديل "سري" للرسامين
تزامن انضمامي إلى محترف منير أبو دبس المسرحي مع بدء عملي "موديلًا" للرسامين. كنت قد أيقنت أن عمل "الموديل" جدّي، وأستطيع العيش منه. في المرة الأولى جلست لميشال المير، شعرت برهبة كبيرة. والشخص الأول الذي دعاه المير إلى محترفه ليرسماني معًا، هو رشيد وهبي، صاحب الشخصية الوقورة، والذي أشعرني بأبوته. كانت نظراتهما إليّ مطمئنة وغير فاضحة. وبعدما انضم اليهما كاساسينوف، الرسام الروسي، رحت أتقاضى أجرًا محددًا على كل جلسة، حسب الوقت الذي تستغرقه. وهكذا احترفت هذه المهنة في محترفات الرسامين.

في محترف كاساسيانوف رحت أجلس لتلامذته الكثيرين. ثم لم ألبث أن تركت العمل في مختبر الأدوية، وتفرغت لمهنة "الموديل" لدى كبار الفنانين التشكيليين في الستينات، وواظبت على دروس المسرح في محترف أبو دبس. وشيئًا فشيئًا انقطعت عن الاختلاط بالناس من غير أجواء عالم الفن والرسم والمسرح. لم أعد أطيق مخالطة الناس العاديين ومعاشرتهم، أولئك الذين كانوا يقولون إنني جميلة، ما أن يروني ويسألوني: لماذا لا تتزوجي وترتاحي؟! لذا لم أعد مضطرة للافصاح عن مهنتي وعملي. فجميع من أعيش بينهم، أي الفنانين والمثقفين، يعلمون كل شيء عني. وطلبت منهم عدم الكلام على مهنتي خارج وسطهم، وخارج الدائرة التي أعيش فيها معهم. وفي الستينات كان الرسامون يبذلون جهودًا فنية في عملهم على جسد المرأة، أين منها الجهود التي يبذلها رسامو اليوم. لقد اضمحلت هذه الجهود وماتت، واقتصرت على الدروس في معاهد الفنون الجامعية. كأنما الرسامون انصرفوا إلى موضوعات أخرى. أو كأنما جسد المرأة أمسى من المحرّمات في الفن التشكيلي، الذي اتجه اليوم إلى موضوعات سياسية وغيرها، مثل الطبيعة الصامتة.

مريم خيرو الرائدة
مريم خيرو سبقتني إلى هذه المهنة، فهي المرأة الأولى التي عملت "موديلًا" في لبنان. وبدأت عملها في محترف قيصر الجميل، حين كانت في الخامسة عشرة من عمرها. فجميع عاريات قيصر الجميل هن مريم التي كان حريصًا على كتمان سرها، وإعلان أن عارياته من بنات خياله. ومريم سريانية الأصل، وكان أهلها يقيمون في محلة الكرنتينا، ومعدمين ماديًا واجتماعيًا. وبعدما تعرف إليها قيصر الجميل، وجعلها "موديله" لقاء راتب شهري، اشترط عليها ألا تعمل مع أحد سواه. ومن الراتب الذي كانت تتقاضاه كانت تصرف على نفسها وتعيل أمها وأخواتها. وبعد موت قيصر الجميل، وإنشاء معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية عام 1965، تعرف إليها نقولا النمار، وأتى بها للعمل في المعهد الجديد. لكن قيصر الجميل كان قد منحها مجموعة كبرى من مخطوطاته ومسوّداته التي من ثمنها عاشت حياتها وشيّدت منزلًا لها ولإخوتها.

كانوا يحدثونني عن مريم ليقولوا لي إنني لست وحدي في مهنتي. وعلى ما أظن أن جسد المرأة في الفن التشكيلي غيّبته الحرب وأماتته. فقلة هم الفنانون التشكيليون الذين ظلوا يشتغلون على جسد المرأة في بدايات الحرب، ومنهم جان خليفة. لكنني قبل الحرب بسنوات، كنت قد سافرت إلى باريس، عام 1968. وفي غيابي، برزت ميشلين ضو "موديلًا" في الوسط الفني وكلية الفنون.

سنوات المسرح الحديث
كان محترف منير أبو دبس يسمى "مدرسة المسرح الحديث"، التابعة لإدارة لجنة "مهرجانات بعلبك الدولية". وفي عام 1962 بدأتُ تلميذة متدربة في تلك المدرسة. كنت في التاسعة عشرة من عمري. وفي هدوئه المعتاد، ولكن بأبوة، حدّثني أبو دبس عما ينتظرني في مدرسته التي كانت تجمع كثرة من الطلاب والهواة، الذين كان يختار منهم ومنهن ممثلين وممثلات لعمله المسرحي السنوي الذي يقدمه في مهرجانات جبيل في الربيع، وعلى مسرح "الويست هول" في الجامعة الأميركية، شتاء. ومبنى البيت القديم الذي شغلته المدرسة في المنارة، كان يعمل فيه حارس اسمه سعيد الذي تزوج وأنجب أولادًا في ذلك البيت، وكان في العام 2000 لا يزال يقيم فيه، مع  الديكورات والثياب التي كنا نستخدمها في الستينات.

مغنية الأوبرا سامية سوندري كانت تعلّمنا دروس الصوت. أدونيس وأنسي الحاج وغيرهما كانوا يترجمون عن الفرنسية النصوص المسرحية التي يقدمها أبو دبس. أنطوان كرباج ورضى خوري كانا يعملان في التدريس، ويأتيان إلى التدريبات المسرحية في الخامسة مساءً. جورجيت جبارة كانت تعلّمنا الرقص المعاصر. ومن الطلاب الذين تعرفت إليهم حين بدأت، تيودورا الراسي، ميشال نبعة، نبيل معماري، نبيل سماحة، نقولا فهد. وكان أنطوان ولطيفة ملتقى وريمون جبارة من رعيل المحترف الأول -تأسس نهاية الخمسينات- فانفصلوا عنه قبيل انتسابي إليه، بسبب خلافاتهم مع منير أبو دبس. الثنائي ملتقى أسس "فرقة المسرح الحر"، وجبارة عمل بمفرده ممثلًا، قبل أن يُعرف، لاحقًا، كمخرج لعمله الأول "لتمت ديسدمونا" عام 1969. أما روجيه عساف فكان يعدُّ مسرحيات باللغة الفرنسية في الجامعة اليسوعية.

لاختباري، أسند إليّ أبو دبس في البداية دورًا صغيرًا في مسرحية "الذباب". ولأتمرن عليه، رحت أستعيد ما كنت قد خبرته سابقًا على نحو عابر في تجربة صغيرة لي مع حسن علاء الدين، شوشو، الذي كان بدأ تجاربه الكوميدية الأولى، قبل تعرفي إلى رواد المسرح اللبناني الحديث، والتقيته في مقهى "لاروندا"، ملتقى فناني التلفزيون والإذاعة، فاسند إليّ دورًا تدربت عليه في مكتب في ساحة البرج قرب "لاروندا"، لكن تلك المسرحية لم تعرض.

أدهش أدائي الدور الصغير في "الذباب" منير أبو دبس. فأنا كنت تعلمت الإلقاء من والدي، ومن سماعي ليلًا برامج إذاعية في بيت أهلي. وفي المدرسة-المحترف كثيرًا ما كنا نؤدي أدوارًا ارتجالية. وكان أنسي الحاج يحب أن يشاركنا تلك الأدوار التي كنت أشعر أن فيها شيئًا من  شعره. لعبت في "الذباب" دورين اثنين، الأول تمثيليًا، والآخر راقصًا، فنجحت فيهما، وأصبحت في الفرقة، إلى جانب استكمالي التعلم في المدرسة.

ودار عام 1963 سجال في لجنة مهرجانات بعلبك موضوعه تنويع العروض المحلية في المهرجانات الدولية، فلا تقتصر على "الليالي اللبنانية" الفولوكلورية. فلماذا لا تستفيد المهرجانات من "مدرسة المسرح الحديث" التي أنشأتها اللجنة، وتقدم عروضًا مسرحية لبنانية في بعلبك؟ وقررت اللجنة تقديم عمل مسرحي لبناني من إعداد المدرسة وإنتاجها، في مهرجانات بعلبك. واتُفق على اعتماد نص أنطوان معلوف المسرحي "الإزميل" الذي نال جائزة "جمعية أصدقاء الكتاب"، أساسًا لذلك العمل. وذاع في بعض العواصم العربية خبر التحضير لعرض عمل مسرحي لبناني في مهرجانات بعلبك الدولية. ولأن صيت المهرجانات كان ذائعًا عربيًا، جاء إلى بيروت مدير المسرح الوطني التونسي، علي بن عياد، مستطلعًا. وهو كان يعتبر أهم نجم مسرحي عربي آنذاك، فأقام ندوات في بيروت ومحاضرات في مدرستنا. ثم اقترح على سيدات لجنة مهرجانات بعلبك أن يعرض مسرحيته "كاليغولا" في بعلبك، فاعتذرن منه لأن الاتفاق كان أُبرم لتقديم مسرحية أنطوان معلوف. وحاول بن عياد أن يصطحبني معه إلى تونس في إطار اتفاق تعاون المسرحي بين تونس ولبنان. وعلى الرغم من رغبتي في مغادرة لبنان،  أقنعني أبو دبس بألا أقبل العرض، ووعدني بدور مهم في بعلبك.

كان بن عياد يعلم أن مسرحية "الإزميل" المعدة لبعلبك مقتبسة على نحو بعيد وبطريقة شرقية عن "عطيل" شكسبير. وردًا منه على اعتذار لجنة مهرجانات بعلبك عن التعاون معه، أعلن أنه سيقدم في تونس مسرحية "عطيل" كعمل عربي يشترك فيه ممثلون من بلدان عربية. وهو اتفق مع تيودورا الراسي لتمثيل لبنان في "عطيله"، فسافرت الراسي معه إلى تونس. أما أنا فأسند إليّ أبو دبس دور البطولة في "الإزميل"، إلى جانب ميشال نبعة ورضا خوري ونبيل معماري ونبيل سماحة. وفي شتاء 1963-1964 عرضت "الإزميل" في "الويست هول"، بعد عرضها صيف 1963 في بعلبك، التي كنت أمضي فيها من قبل فصول الصيف مقيمة، وأعمل في كواليس مهرجاناتها وأساعد لجنتها في الأعمال الإدارية واللوجستية لقاء 150 ليرة في الشهر. وأحيانًا كانت تسند إليّ أدوار ثانوية عابرة في فرق مسرحية أجنبية. وفي أثناء عروض "الليالي اللبنانية" كانت السهرات تظل عامرة حتى الصباح في "أوتيل بالميرا": فيلمون وهبه، سركيس باسكاليان مدرب الرقص الشعبي، الذي درس الفولكلور في الاتحاد السوفياتي، وكيغام الراقص في الفرقة التابعة للمهرجانات. لكن باسكاليان هاجر إلى أميركا فحل كيغام محله.

ومن أعمال أبو دبس شاركت في "الملك يموت"، "علماء الفيزياء". أما "روميلوس الكبير" فأخرجها شكيب خوري.

وصار أهلي وبينهم أمي، يحضرون الأعمال المسرحية التي أشارك فيها، فتحسنت علاقتي بهم بعدما اشتهرت كممثلة مسرحية عام 1966.

مغادرة لبنان
وعام 1968 عاد علي بن عياد إلى لبنان، فالتقيت به في مكتب فريد سلمان، رئيس تحرير "الحسناء"، التي كانت مكاتبها لا تزال في باب إدريس، فجدد عرضه عليّ الذهاب للعمل معه في تونس فوافقت. كنت متعبة نفسيًا وأريد مغادرة لبنان. استشرت ناديا تويني التي كانت ترعاني، وكانت علاقتي بها حميمة، فشجعتني قائلة لخوفها علي: تونس بلد محافظ يشبه لبنان، وليس بلدًا غربيًا مثل فرنسا التي كنت قد فاتحتها قبل مدة برغبتي في السفر إليها والعيش فيها. ولشدة خوفها عليّ لم توافق على ذهابي إلى تونس إلا بعدما التقتْ علي بن عياد وشرح لها المشروع. وأنا ومي عريضة وناديا تويني نزلنا من بيت مري حيث تقيم ناديا، والتقينا بن عياد في فندق "الكازار" قرب "السان جورج". ولم تطمئن ناديا تويني إلا بعدما وقّع علي بن عياد عقدًا واضحًا بالتزاماته نحوي. وسعاد نجار، وكان زوجها مدير "المديل إيست" قدّمت لي مجانًا بطاقة سفر إلى تونس، ذهابًا وإيابًا. أما ناديا تويني فاعطتني مبلغًا من المال يكفي مصاريفي في تونس لمدة سنة. ورحت أتنقل بين تونس وباريس، ولم أعد إلى لبنان إلا قبيل بداية الحرب الأهلية سنة 1975.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها