ما أن توترت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة مع وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض ، حتى سارعت روسيا إلى البحث عن امكانية الإفادة من هذا التوتر ، وتذكير السعوديين بسلاحها . فقد نشرت صحيفة الكرملين "vz" مطلع الشهر الجاري نصاً بعنوان "خلاف السعوديين وأميركا يفتح لروسيا سوق سلاح جديد" . وتُذكِّر الصحيفة ، بأن الكونغرس الأميركي ، وبإجماع الديموقراطيين والجمهوريين ، صوت على تحميل ولي العهد السعودي بالذات المسؤولية عن مقتل الكاتب جمال الخاشقجي . لكن لا قرار الكونغرس الأميركي ، ولا التقرير الخاص لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة (الذي حمل السلطات السعودية أيضاً المسؤولية عن "الإعدام دون محاكمة" للخاشقجي) لم يمنعا دونالد ترامب من مواصلة التعاون مع الرياض ، والإبقاء على صفقة السلاح الهائلة معها.
تنقل الصحيفة عن دكتور روسي في العلوم العسكرية قوله ، بأن قرار واشنطن "معاقبة" السعوديين ، هو مثال للتصادم بين الأصولية الليبرالية والمَلَكية المطلقة ، التي لا يربطها شيئ بالليبرالية . ويرى ، أن الولايات المتحدة نفسها أظهرت للسعوديين ، خلال إقتحام الكابيتول في كانون الثاني/يناير المنصرم ، عدم إستقرارها الداخلي . ويقول ، بأن العرب بشكل عام ، لا يغفرون مظاهر الضعف ، وسبق لهم ، أن أدركوا في عهد ترامب ، أن الولايات المتحدة لم يعد بوسعها ، أن تشكل ضمانة موثوقة لاستقرارهم ، لأن الأميركيين قد ينسحبون من الشرق الأوسط في أية لحظة.
ويعتبر هذا الخبير ، أن الحرب في اليمن أظهرت الجيش السعودي ضعيفاً للغاية ، على الرغم من إمتلاكه أكثر التقنيات حداثة . ويشكل هذا الأمر ، برأيه ، السبب الثاني لبحث السعوديين عن راعٍ جديد ، ولا يستبعد أن يتزايد نفوذ روسيا في السعودية في المستقبل القريب . ويرى أن موسكو ، وعلى عكس واشنطن ، ثابتة في سياستها في الشرق الأوسط ، بما في ذلك ، حيال السعودية . وهي تعزز هيبتها في المنطقة ، وليس بسبب العملية العسكرية في سوريا فحسب ، بل وبفضل حسن سياستها ومهارتها في التفاوض مع الجميع ، من عرب وأتراك وإيرانيين وإسرائيليين.
الخلاف الأميركي السعودي ، الذي يعتبره الخبير صراعاً ، قد يؤدي إلى فتح السوق السعودي أمام منتجات المجمع الصناعي العسكري الروسي . وسبق لروسيا ، أن دخلت سوق السلاح السعودي ، وباعت السعودية ناقلات جند مجنزرة . ويأمل الرجل ، بأن تثير كل الأسلحة الروسية إهتمام السعوديين ، وخاصة أنظمة الصواريخ S - 400 ، التي يعتبرها الرجل متفوقة على الأنظمة الأميركية "باتريوت" ، التي لا يزال السعوديون يستخدمونها "حتى الآن" . ويعدد أنظمة الدفاع الجوي ، التي يمكن أن تثير إهتمام السعوديين ، الذين قد يهتمون بحاجات الأسطول الحربي ، ولن يهتموا ، برأيه ، بالدبابات والطائرات الحربية ، لأن الجيش السعودي "مشبع" بهذه الأسلحة الأميركية.
مدير مركز تحليل الإستراتيجية والتقنيات ، تنقل عنه الصحيفة تحذيره من أن السعوديين زبائن "شديدو الخصوصية" ، حيث أنهم يشترون كميات غير متناسبة من الأسلحة ، لا يستخدمون القسم الأكبر منها . وصفقاتهم من الأسلحة تحمل ، في الحقيقة، طابعاً سياسياً بحتاً ، إذ تحت ستار صفقات السلاح ، يشترون التأييد وضمانة الأمن وعدم إنتقادهم.
ويرى مدير المركز هذا، أن السعودية بوسعها ، نظرياً ، أن تشتري من روسيا أي شئ : طائرات ، صواريـــخ S - 400 ، دفعة جديدة من بنادق كلاشينكوف الرشاشة . ومن الصعب للغاية ، برأيه ، التكهن بما سيطلبه السعوديون من روسيا بالضبط ، إذ أنهم يعتبرون ذلك "رشوة" لروسيا مقابل موقف مؤيد لهم في المنطقة ، وعلى صعيد العالم.
الموقع الإخباري الأول للأعمال في أوكرانيا "ukrrudprom" إستعرض أحداث الخلاف الأميركي السعودي ، وخلص إلى القول ، بأن السعوديين يهددون بحذر إدارة بايدن بإرتداد محتمل للمملكة بإتجاه الصين وروسيا ، اللتين قد تتحولان إلى مصدر بديل للسلاح السعودي . الخلاف السعودي الأميركي بوسعه أن يغير جذرياً السياسة الشرق أوسطية ، لكنه لن يؤدي إلى إفتراق الحليفين القديمين مثل ناقلتي نفط في المحيط ، بل سيبقيان حليفين في المستقبل المنظور طالما ، أن إيران قررت بأن اللحظة مناسبة لرفع رهاناتها.
قد تقع خلافات بين السعودية والولايات المتحدة ، لكن هناك إيران ، أحد مزعزعي الإستقرار الرئيسيين في المنطقة ، الذي يهدد الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية . وهي العامل الموحد للحلفاء ، بالرغم من أن إدارة بايدن ، وعلى عكس إدارة ترامب ، لن تقدم دعماً "أعمى" ومطلق لإسرائيل والسعودية ، حسب الموقع.
تلك هي السياسة الشرق أوسطية الجديدة للولايات المتحدة ، التي ستكون أكثر مرونة ومتعددة الجوانب ، حيث أنها لن تقفل عيونها عن "فعلات" السعوديين ، لكنها لن تلاعب إيران ، في محاولتها إيجاد حل للصفقة النووية ، وسوف تدافع بحزم عن مصالحها عند الضرورة ، كما يستنتج الموقع.
صحيفة "NG" ، التي تقول بأنها مستقلة، علقت على الحدث السعودي الإيراني بنص عنونته بالقول "الخلاف الأميركي السعودي أنعش الحوثيين" ، وقالت ، بأن أعداء الرياض اليمنيين إنتقلوا إلى الهجوم قبل مفاوضات السلام . واقتصرت مقالة الصحيفة على الحديث عن المؤتمر الدولي برئاسة سويسرا والسويد ، الذي كان يحاول جمع التبرعات من أجل إنقاذ اليمنيين من الموت جوعاً ، في حين كان المتصارعون اليمنيون في هذا الوقت "يناقشون علاقاتهم بواسطة السلاح".
وكالة نوفوستي نشرت في 2 من الشهر الجاري نصاً مطولاً بعنوان "الولايات المتحدة قررت معاقبة السعوديين . هل تستفيد روسيا وإيران من ذلك" ، وقالت بأن مرحلة صعبة تنتظر السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة . ونقلت عن خبير روسي قوله ، بأن علاقات السعودية مع الولايات المتحدة زمن ترامب ، خلقت لدى ولي العهد السعودي شعوراً بالإفلات من العقاب ، وبأن أي مسألة يمكن حلها بالمال مع الولايات المتحدة . ويقول الخبير ، بأنه على الرغم من كل الخطوات الأميركية التصعيدية تجاه السعودية ، إلا أنه لا يمكن الحديث عن مراجعة كاملة للعلاقات بين البلدين . بل سوف يتبادلون الإتهامات والتهديدات والمهاترات ، لكن المراجعة الشاملة للتعاون بين البلدين لن تحدث.
خبير آخر من المجلس الروسي للعلاقات الدولية يوافق الخبير الأول في رأيه ، ويقول ، بأن إعتماد سياسة أميركية متشددة حيال السعودية ، سوف تتحول أوتوماتيكياً لصالح إيران ، وهو ما لن تقدم عليه الولايات المتحدة من أجل معاقبة أولئك الذين يقفون وراء مقتل جمال الخاشقجي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها