الإثنين 2014/07/21

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

الحب لكينيا فقط

الإثنين 2014/07/21
الحب لكينيا فقط
مظاهرة عيد العمال في العام 2012 في بيروت (Migrant Community Center)
increase حجم الخط decrease

تخبرني ماريني، عاملة التنظيف الكينية، عن صعوبة الحياة في بيروت. تخبرني عن حاجتها الدائمة لرجل كي تستمر هنا. وعندما سألتها عن "الحب". ضحكت ضحكتها المعهودة التي سمعتها أول مرة مع أنغام موسيقى كينية غريبة في منزل الطلبة. أكدت المرأة الثلاثينية "الحب لكينيا فقط". تساءلت من أين لها هذه القدرة على إتخاذ قرار كهذا. كيف يمكننا أن نتخذ قراراً بأن لا نقع في الحب.

ماريني هنا منذ ثلاث سنوات ولم "تقع" حتى اللحظة، بالرغم من أنها لم تبق يوماً من دون رجل. تساءلت عن السلاح الذي استخدمته. ربما كان سلاحها كسلاح ماريا بطلة رواية "أحد عشر دقيقة" لباولو كويلو. لا تُقبل ماريا أياً من الرجال الذين تعاشرهم. القبلة كانت الفرق الوحيد بين الحب وأي شيء آخر. ربما كان هذا سلاح ماريني كي لا تقع أيضاً. ماريني تخبئ كل شيء لكينيا، لأرضها. الحب، اﻷطفال، المنزل، والمشروع الصغير.. "الحب لكينيا فقط"!

لا حب هنا إذاً. فلنتحدث عن العمل. تعمل ماريني في إحدى الجامعات المرموقة في بيروت. يبدأ دوام عملها منذ السادسة صباحاً ولا ينتهي قبل الثامنة مساءاً. لا يؤنسها خلال نهارها سوى أغنيتها الكينية المفضلة: "مالايكا". وهي تتقاضى 400 دولار أميركي شهرياً مقابل 14 ساعة عمل يومية. لا يوجد عقد عمل. لا ضمان. لا تأمين. هذا يعني أن عطلة عن العمل لمدة أسبوعين هي أقصى ما يمكن أن تحصل عليه في حال أصيبت أثناء تأديتها لعملها. لا تهدف هذه العطلة إلى تأمين راحة ماريني بالضرورة، بل هي طريقة للهروب من مسؤولية لم يتعهد أحد بتحملها أساساً.

ترسل ماريني مبلغ 200 دولار أميركي شهرياً إلى عائلتها في كينيا. تدفع 100 دولار أميركي كإيجار للغرفة التي تسكنها مع أختها في برج حمود. يتبقى لها 100 دولار يفترض أن تصرفها على الطعام، المواصلات، الثياب، التنزه، وحتى الطبابة. تقول ماريني أنها تتدبر أمورها جيداً، وتبرّر مجدداً حاجتها الدائمة إلى رجل يسعفها بـ50 دولار عندما لا تجد طعاماً تأكله، فقط لإنها اشترت بنطلون "جينز" إستثنائياً هذا الشهر.

تشتكي أيضاً من مضايقات رجال الأمن المتكررة لها ولصديقاتها. تتحدث عن صعوبة التجول في الشارع ليلاً ونهاراً خوفاً من رجال الأمن الذين يطلبون مبلغ 300 دولار على الأقل كرشوة للسماح لهن بالتجول علماً أنّ أوراقهن شرعية. وهي تؤكد أنّها إضطرت للإستدانة لدفع الرشوة المطلوبة مرتين حتى الآن. تؤلمها الصفات التي تطلق عليها وعلى صديقاتها من قبل رجال الأمن، سائقي التاكسي، الجيران وحتى النساء. تقارن ماريني بين لبنان وكينيا. تقدر الإحصاءات الرسمية أنّ 300 إمرأة يتعرضن للاغتصاب في كينيا أسبوعياً، وأن معدّل الإغتصاب في كينيا إرتفع بنسبة 5,2 في المئة منذ العام 2007. بالرغم من هذا كله، تجد ماريني أماناً هناك لم تلمسه هنا. وتستغرب كيف يمكن لبعض النساء هنا أن يكن "ذكوريات" و"عنصريات" إلى هذا الحد. "في كينيا، على الأقل، لن تجدي إمرأة لا تتعاطف أو تتضامن مع أختها المرأة"، تؤكد ماريني.

من الواضح أننا لم نحرم ماريني من الحب هنا فحسب. ماريني حُرمت من أبسط حقوقها كإمرأة أيضاً، ولكنّها لا تعلم أن معظمنا حرم من هذه الحقوق أيضاً ولكن بنسب متفاوتة. نحن لا نجد الأمان هنا أيضاً يا ماريني وتزعجنا نظرات رجال الأمن، وسائقي التاكسي وحتى النساء. نحن أيضاً نفتقد لتعاطف بعض النساء مع قضايانا. ربما تجدين عزاءاً يا ماريني في هذه الحقيقة، ولكنك لست وحدك. كلنا حرمنا من الحب والأمان هنا.

increase حجم الخط decrease