لكن السلطات اللبنانية، التي تبدو غير محرجة، ستمثل، الأربعاء، مجدداً أمام دورة الاستعراض الدوري الشامل، لاعلان التقرير الرسمي النهائي لسجل لبنان في حقوق الانسان، بعدما أرسلت الأسبوع الماضي إلى المجلس مراجعتها للتوصيات التي طرحت عليها. احصائياً، قبل لبنان بـ130 توصية، فيما تحفظ أو أخذ العلم بـ89 توصية أخرى. وهو بدا في موافقته على توصيات بعينها منساقاً إلى توصيات عمومية، كالحديث عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بشكل عام، أو حقوق الأشخاص المعوقين وحاجاتهم، أو الحفاظ على ثقافة التسامح والتنوع وحماية الأطفال من المشاركة في النزاعات المسلحة ومجانية التعليم، بإستثناء موافقته على تجريم التعذيب.
على أن التوصيات التي أخذت الحكومة اللبنانية العلم بها، من دون أن ترفضها أو تقبلها، بدت هي التوصيات الأكثر اشكالية وتعبيراً عن مأزق حقوق الانسان في لبنان، وهي مجالات يبدو واضحاً فيها البعد السياسي لإدارة المجال العام. مثل أوضاع العمال الأجانب في لبنان وحقهم في تأسيس النقابات، وزواج القاصرات وتجريم الاغتصاب والتحرش الجنسي، والمساواة بين الجنسين، لناحية حق المرأة بمنح جنسيتها إلى أبنائها أو قضايا الارث والطلاق والزواج، المرتبطة أساساً بقوانين الأحوال الشخصية. بالإضافة إلى تأمين الحماية لمثليي الجنس والمتحولين، وايجاد آلية رسمية لتسجيل الولادات، والغاء عقوبة الإعدام والاحتجاز التعسفي ومنع محاكمة المدنيين في المحكمة العسكرية، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالتملك وتيسير دخولهم إلى سوق العمل، وايجاد آلية، مع مفوضية شؤون اللاجئين، لتسجيل الولادات السورية في لبنان.
لكن مع ذلك، يبدو مهماً، عند جورج غالي، من جمعية "ألف"، أن الحكومة اللبنانية لم ترفض أي من التوصيات رفضاً قاطعاً، وإن بدا له أيضاً أن هذه "مراوغة تعتمدها بعض الدول، كي لا ترفض ما توصى به". وهو يسجل، كما سعد الدين شاتيلا من منظمة "الكرامة"، أن هذه التوصيات، نفسها تقريباً، كان لبنان قد وعد بتنفيذها، في الدورة الأولى التي عُقدت قبل 6 سنوات، من دون أن ينفذها بشكل فعلي. ومشكلة هذه التوصيات أن القبول بها طوعي، فلا يمكن لأحد أن يفرض على السلطات الرسمية تطبيقها، و"العبرة الفعلية في تنفيذها"، وفقهما.
واذا كان شاتيلا يؤكد أن موافقة الحكومة اللبنانية على تجريم التعذيب، وتأكيدها سعيها للحد منه، كما موافقتها على إنشاء لجنة مستقلة لحقوق الانسان، تعدّ "تقدماً شكلياً، وليس فعلياً"، فإنه يستغرب عدم موافقتها على منع محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، "رغم أن وزارة العدل كانت قد وافقت على هذه التوصية، فيما رفضتها وزارات أخرى في اجتماع لمجلس الوزراء، وبسبب الأزمات في لبنان، كان اجبارياً الحصول على الاجماع".
في كل الأحوال، ستنتقل المنظمات والجمعيات الحقوقية المعنية بهذا الشأن، منذ الأربعاء، إلى مرحلة ثانية من العمل، وفق غالي. إذ يفترض أن "نبدأ، بعد أن ضغطنا على الحكومة اللبنانية لقبول التوصيات، إلى الضغط عليها لتنفيذها، ووضع خطة عمل مع الحكومة، بالإشتراك مع المجتمع المدني، وتقديم مساعدة تقنية لها في سبيل تطبيق هذه التوصيات".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها