سيطرت "وحدات حماية الشعب" الكردية، مدعومة بـ"جيش الثوار" -المكونان الرئيسان لـ"قوات سوريا الديموقراطية" في عفرين شمال غربي حلب- على قرى وبلدات شوارغة وكشعتار والمالكية وطاط مراش وتنب، الواقعة في ريفي أعزاز وعفرين، بالقرب من الحدود السورية-التركية. وتمكنت "سوريا الديموقراطية" من التقدم على حساب المعارضة السورية المسلحة، والوصول إلى مشارف مطار منغ العسكري، والطريق الدولي حلب-أعزاز.
وشهدت الجبهات معارك عنيفة بين الطرفين، على مدى اليومين الماضيين، أسفرت عن مقتل خمسة من مقاتلي المعارضة من "غرفة عمليات مارع" وجرح آخرين. وتزامنت العمليات العسكرية على أكثر من محور، مع غارات مكثفة للمقاتلات الحربية الروسية التي استهدفت القرى والبلدات المستهدفة والخطوط الخلفية في دير جمال وتل عجار وبلدة منغ.
"قوات سوريا الديموقراطية" تزعم بأن معاركها بالقرب من أعزاز، موجهة ضد "جبهة النصرة"، وتعتبر كل من يقاتل على الجبهات الغربية في ريف حلب الشمالي تابعاً لـ"النصرة". غير أن الواقع مختلف، فلا وجود لـ"جبهة النصرة" ولا "أحرار الشام" بشكل فعلي على الجبهات الغربية، ضد "قوات سوريا الديموقراطية". ومن الإنصاف القول إن فصائل المعارضة الحلبية بالإجماع، بما فيها الإسلامية، تتهرب من تحمل مسؤولياتها شمالاً في مواجهة "وحدات الحماية" الكردية و"جيش الثوار"، لاعتبارات أبرزها عدم الخوض في صراع عسكري يستنزف المعارضة، وله مضاعفات كثيرة على الأرض. مواجهة طالما عملت "وحدات الحماية" الكردية و"جيش الثوار" المدعومين أميركياً، ومن النظام وروسيا، على إشعالها مع "أحرار الشام" و"جبهة النصرة"، لكنها لم تنجح حتى الآن.
وفي المقابل، لا تستطيع الفصائل المنضوية في "غرفة عمليات مارع" اتخاذ تدابير عسكرية، أكثر قسوة على الجبهات الغربية ضد "قوات سوريا الديموقراطية"، لعدم اتفاقها حتى الآن على صيغة توافقية، تستطيع من خلالها أن تقرر حالات السلم والحرب، وأن تكون الاتفاقات أو إلغاؤها ضمن مهام الغرفة الطبيعية.
وتهيمن على قرارات "قوات سوريا الديموقراطية" الميليشيات التابعة لحزب "الاتحاد الديموقراطي" بقيادة صالح مسلم، وهي تحقق انجازات مُرضية لـ"التحالف الدولي" شمال شرقي منبج وأعالي الفرات السوري، على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية". الأمر الذي أصاب "سوريا الديموقراطية" بالغرور، وباتت لا تأبه لأمر المعارضة شمالي حلب، وهي ماضية في مناوراتها العسكرية والسياسية، لتحقيق المزيد من المكاسب على الأرض وصولاً إلى أعزاز ومعبرها الاستراتيجي مع تركيا.
المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشامية" العقيد محمد الأحمد، قال لـ"المدن"، إن المعارضة كانت تبذل قصارى جهدها لمنع إشعال الجبهات الغربية مع "وحدات الحماية" و"جيش الثوار". وفي سبيل ذلك، أبرمت المعارضة اتفاقات تضمن أمن الطرفين، بغرض التفرغ الكامل للعمل على جبهات القتال مع تنظيم "الدولة الإسلامية". لكن الاتفاقات دائماً كانت تنتهك من قبل "سوريا الديموقراطية"، على شكل توسع في الأراضي التابعة للمعارضة بالقرب من أعزاز.
وأكد العقيد الأحمد، أن "قوات سوريا الديموقراطية" تسعى لإفشال جهود المعارضة على جبهات التنظيم شرقاً، وفي الوقت ذاته تحقق مكاسب على الأرض على حساب المعارضة المشغولة على كامل الجبهات، ووالخاضعة للضغط جواً من قبل المقاتلات الروسية، التي تستهدف مقارها وخطوط امدادها بشكل مستمر.
وكانت التطورات الميدانية المتسارعة بين الطرفين، قد ترافقت مع استقالة الرائد ياسر عبدالرحيم، من منصبه كقائد لـ"غرفة عمليات مارع"، وتفرغه لقيادة "غرفة عمليات فتح حلب". وجاء قرار عبدالرحيم، في بيان نشرته غرفة العمليات في مواقع التواصل الإجتماعي، أوضح من خلاله أن استقالته جاءت: "إثر غياب التفاعل والالتزام بالخطط والأوامر من قبل بعض تشكيلات الجيش السوري الحر العاملة في الغرفة، وبسبب محاولة إفشال عمل الغرفة ونتيجة لغياب التنسيق والعمل المشترك". وأكد الرائد المستقيل توجهه للعمل على جبهات ريف حلب الجنوبي، إلى جانب مقاتلي الجيش السوري الحر ضد النظام والميليشيات، متمنياً لخلفه العمل بما فيه الفائدة للثورة السورية العظيمة.
وكان الرائد عبدالرحيم، قد تسلّم قيادة "غرفة عمليات مارع" فور تشكيلها، في الربع الأخير من العام 2015، عقب هجوم لتنظيم "الدولة الإسلامية"، على مناطق سيطرة المعارضة شمالي حلب، والذي تمكن خلاله من السيطرة على مساحات واسعة ومواقع مهمة أبرزها "مدرسة المشاة" ومحاصرة مارع بشكل شبه كامل. والفصائل المشكلة للغرفة هي "فيلق الشام" و"جيش المجاهدين" و"الجبهة الشامية" و"فرقة السلطان مراد" و"حركة نور الدين زنكي" و"الفرقة 16" و"لواء المعتصم" و"كتائب الصفوة الإسلامية" و"ثوار الشام" و"صقور الغاب" و"الفوج الأول".
وتزامنت استقالة الرائد عبدالرحيم، مع إعلان "فيلق الشام" الذي يمثله في حلب، انسحابه الكامل من "جيش الفتح" وتوجيه كامل ثقله العسكري إلى حلب وريفيها المشتعلين؛ الشمالي والجنوبي. وبرّر الفيلق في بيان له، انسحابه من "جيش الفتح" بالقول: "الأعداء من الداخل والخارج، والنظام وشبيحته، والشيعة والروس، يركزون الجهد لإسقاط منطقة حلب. فرأينا أن نعطي الأولوية لدعم الثوار في منطقة حلب". وأضاف البيان أنها "الحالة التي تجعلنا نعلن خروجنا من غرفة عمليات جيش الفتح الذي أنهى مهمته مشكوراً في معركة فتح إدلب الفداء، وهذا يوجب علينا إعادة ترتيب أوضاعنا وبلورة تجاربنا، والاستفادة منها في ظل معطيات اليوم، بما يخدم ديننا وشعبنا وثورتنا، ويحقق أهدافها".
من جانبه، أكد مدير "المكتب الإعلامي" في "غرفة عمليات مارع" يحيى مايو، أن التطورات الأخيرة لصالح ميليشيا "سوريا الديموقراطية" كانت بسبب الخلافات وغياب التنسيق الذي ساهمت به بعض الفصائل المنضوية في الغرفة، الأمر الذي سهل على الميليشيات المعادية التقدم ونقض كل الاتفاقات والهدن الموقعة. وأشار مايو إلى أن "غرفة عمليات مارع" سترد قريباً على "سوريا الديموقراطية"، وأكد بأن وجود المعطلين من بعض الفصائل لا يعني عدم وجود رد حاسم وقوي يحفظ للثورة والمنطقة الشمالية مكاسبها على الأرض ويحميها.
وقال مايو لـ"المدن"، إن المعارضة لم تعد تثق بـ"قوات سوريا الديموقراطية" ولا مكوناتها، بعد خرقهم للاتفاقات المبرمة لمرات عديدة، لذلك "لا اتفاق معهم وخاصة بعد وضوح تنسيقهم مع الطيران الروسي". وفي تعليقه على خطوة "فيلق الشام" الأخيرة، وإن كان سيشترك في العمليات العسكرية في ريف حلب الشمالي تحديداً بعد استقالة قائده في حلب من قيادة الغرفة، قال مايو: "الفيلق وعد بتركيز جهوده على كافة جبهات حلب، وهو مشارك في غرفة مارع منذ تأسيسها، ولم يترك غرفة العمليات، وسيتابع عمله بالتعاون مع الفصائل الأخرى".