الثلاثاء 2016/03/15

آخر تحديث: 08:14 (بيروت)

لماذا يضيق صدر "القوات"؟

الثلاثاء 2016/03/15
لماذا يضيق صدر "القوات"؟
بعد "لقاء معراب" بدا أنّ الساحة المسيحية متجهة إلى "جو" جديد (ألدو أيوب)
increase حجم الخط decrease
يخطئ من يعتقد أن الأزمة في لبنان هي بين الطوائف أو "جماعات المجتمع" حصراً، إذ أن المشكلات داخل الطوائف نفسها ليست أقّل وضوحاً من سواها. طبعاً العلاقات بين الجماعات أكثر تعقيداً وخطورة من تلك التي بين أطراف الجماعات، لكنّ علاقات "ذوي القربى" ليست قليلة الأهمية وهي قد تأخذ منحى متوتراً وخطيراً كلمّا طرأت متغيّرات أساسية على قواعد اللعبة داخل كل جماعة.


هذا ما شهدناه خلال الحرب الأهلية حيث انتقلنا من الحروب بين الجماعات إلى الحروب بين "أولاد العم"، وهذا ما نشهده اليوم في السياسة داخل المجال المسيحي بعد لقاء "18 كانون الثاني 2016" في معراب، إذ ويا للمفارقة لم تمنع المصالحة بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" من بروز احتدامات جديدة في الساحة المسيحية عنوانها هذه المرة الصراع بين "الأكثرية" و"الأقلية". لذلك لا يجب إبداء حماسة كبيرة للفكرة القائلة إن استقلال الجماعات عن بعضها البعض، سياسياً وإدارياً وحتى جغرافياً، يمكن أن يشكّل حلاً نهائياً لمشكلات دول المشرق المزمنة. وإذا أردنا إعطاء مثل قريب في الزمان والمكان، فها هي كردستان العراق تعاني أزمة سياسية على خلفية الانتخابات الرئاسية لا تقّل وطأة عن أزمتها مع الحكومة العراقية، في وقت يُتّهم مسعود البرزاني بأنّه يمارس في الإقليم الشمالي ما كان يمارسه نوري المالكي في عموم العراق إبان حكمه.


بعد لقاء معراب بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، بدا أنّ الساحة المسيحية متجهة إلى "جو" جديد، يفرز المسيحيين بين مؤيدي الثنائية القواتية- العونية ومعارضيها المشتتين، أو بين "مسيحيي الـ86%" و"مسيحيي الـ14%" على ما بات شائعاً. هذا الفرز بين "أكثرية" و"أقلية" لم تشهد البيئة المسيحية مثيلاً له منذ عقود، وهو لا يحصل عادة إلا عندما تنضوي قوتان كبيرتان أو أكثر في تفاهم أو تحالف، على غرار ما حصل أيّام "الحلف الثلاثي"، ومن ثمّ في بداية الحرب الأهلية عندما كان تحالف أحزاب "الجبهة اللبنانية" أكثرياً بامتياز في وجه أقلية حزبية وشعبية تقدّمها "حزب الكتلة الوطنية"، لتنقسم هذه الأكثرية على نفسها مرّات عدّة خلال الحرب، وفي كل مرة كانت تنتهي المواجهة بين أحزابها إلى صدامات دموية. 


طبعاً، يصعب التصوّر أنّ ما جرى بين المسيحيين خلال الحرب وقبلها سيتكرر، لناحية انزلاق التوترات السياسية إلى العنف. هناك اليوم جو مختلف تماماً، ويمكن القول إنّ بين القوى المسيحية شيئاً من ميثاق غير معلن بالتزام السلمية، وهذا جُرّب بين القوى الأكثر تنافساً في ما بينها، وفي المناطق الأكثر حساسية تاريخياً، كمنطقة زغرتا وجوارها حيث مناصري "القوات" والمردة" على تماس يومي. لكن في الوقت نفسه، هناك "هجمة" أكثرية واضحة على النواة السياسية والإعلامية للأقلية، والأشرس في هذه "الهجمة" هم القواتيون.


إذ يبدو لافتاً منذ مدّة عدم سكوت "القوات" على منتقديها ومنتقدي تفاهمها مع "التيار الوطني الحر"، لاسيما في الأوساط المسيحية. وهذا ما عكسه ردّ "القوات" على الزميل إيلي الحاج الذي كتب محذراً مما اعتبره خطورة في التحالف مع عون، كما ردّها على الوزير سجعان قزي قبله، وعلى النائب فادي الهبر والوزير سليم الصايغ، وأخيراً على الزميل صلاح سلام، وكل ذلك في زاوية يسميها "موقع القوات" "بالمرصاد" ولغتها في غالب الأحيان حادّة جداً. طبعاً لـ"القوات" الحق في الدفاع عن نفسها ضد من يتناولها، أو من ترى أنّه يتناولها، ولكنّ هذه الردود تأخذ بعد "18 كانون" معنى جديداً، بتركيزها على معارضي اتفاق عون- جعجع من المسيحيين، في وقت كان تركيز ردود "القوات" سابقاً على أركان "8 آذار". وهذا مفهوم في ظلّ تبدّل أولويات "القوات"، إذ لا شك أنّ تحالفها مع عون بات محور سياستها اليوم، في وقت لا يبدو الأمر حتى الآن بالأهمية نفسها على  ضفة "التيار الوطني الحر".


وغالب الظن أنّ الردود القواتية تعكس توجهاّ عاماً لدى قيادتها للدفاع عن الاتفاق مع عون لا بل الترويج له، وهذا في النهاية خيار سياسي لـ"القوات" لا يمكن لأحد أن يعيبه عليها، خصوصاً أن الجميع في لبنان بات يعلم أنّ هذا الاتفاق يتجاوز مسألة الرئاسة، وجوهره توفير إمكانات أفعل وأقوى للتعبير عن اعتراض مسيحي على طريقة إدارة البلد والشراكة بين المسيحيين والمسلمين فيه منذ اتفاق الطائف. وهذا اعتراض تؤيده أكثرية المسيحيين، لكنّ هذا لا يبرّر جنوح الأكثرية السياسية المسيحية نحو اعتماد نهج "إسكاتي"، وكأن لا كلمة يمكن أن تعلو بعد الآن فوق كلمة "مسيحيي الـ86%"، مع العلم أنّ تجاوز هذه الأكثرية السياسية مسيحياً ووطنياً لا يساهم في بناء استقرار سياسي في البلد خصوصاً في ظل تمترس كل طائفة وراء أكثريتها السياسية. مع ذلك من المفيد القول إنّ هذا النهج "الإسكاتي" يضّر، في المقام الأول، بسمير جعجع، الذي استطاع بعد العام 2005 أن يؤسس لخطاب عقلاني وهادئ في البيئة المسيحية مقابل الخطاب المتوتر والحاد للعماد عون في غالب الأحيان، وقد حاز لذلك على تأييد كثيرين، مسيحيين ومسلمين. فلماذا يضيق صدر "القوات" في الآونة الأخيرة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها