الأربعاء 2016/03/16

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

الخلاف استراتيجي والحوار تفصيلي

الأربعاء 2016/03/16
الخلاف استراتيجي والحوار تفصيلي
تلخيص الوضع اللبناني هو الارتهان للخارج تاريخياً (تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يكاد لبنان يكون البلد الوحيد الذي تحتشد فيه الأسئلة التي تظل من دون أجوبة .. هو بلد الإحتمالات المستمرة الباحث دائماً عن أجوبة لأسئلة تلخص أزماته المتراكمة والتي تجعل من هذه الأسئلة في تراكم دائم أيضاً . أسئلة من نوع : ما العمل .. هل من نهاية .. من بيده الإنقاذ .. ما هي سبل الخروج من سلسلة المآزق والمشكلات .. أين العقدة وأين الحل ؟
ولعل السؤال الأبرز والذي تتفرع عنه سلسلة أسئلة في الواقع الراهن هو : كيف يمكن لبلد غارق شعبه في النفايات أن تكون أدمغة قادته نظيفة ؟ سؤال ينسحب على كل جانب من جوانب الحياة السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية والدينية في لبنان .
حتى الآن انعقدت 16 جلسة حوار وطني من دون التوصل إلى أي نتيجة ولو متواضعة على صعيد المشكلات الكبرى حتى تواضع البحث ونزل إلى مستويات أدنى لم تفض أيضاً إلى أي نتيجة ومن بينها أزمة النفايات التي ظلت تدور في حلقة مفرغة لتعود إلى نقطة البداية . وأظهرت أزمة النفايات سقوط هذا البلد في نفايات المحاصصة والفساد من جهة وفي وحول الطائفية والمذهبية .


 ولعل أزمة النفايات ليست هي الدليل الوحيد على إفلاس قادته سياسياً (وازديادهم ثراءً مادياً ) إذا ما حصرنا الأزمات بالمشكلات الداخلية المعيشية والإقتصادية والإجتماعية .. ففي الكهرباء لم يعد الأمر يحتاج إلى أي دليل على اهتراء الطبقة السياسية الحاكمة ففي هذا البلد " السياحي " لا تزال الكهرباء تنقطع منذ اندلاع الحرب الأهلية ومن دون أن يتكبد مسؤولوه عناء إيجاد حل لهذه المعضلة .


وأمام ذلك يبرز سؤال آخر : إذا كانت طاولة الحوار قد سقطت أمام امتحان النفايات فكيف ستنجح في الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية في بلد لا يزال من دون رئيس ما يقارب السنتين ؟ ومن جديد تُظهر عقول قادة هذا البلد " غير النظيفة " براعة  في خلق المبررات لعدم انتخاب رئيس .


ووسط هذه الصورة التي فاحت رائحتها يبرزالسؤال الأهم الذي لا بد من طرحه نظراً لأهميته على صعيد استقرار لبنان : ماذا عن الإستراتيجية الدفاعية التي تشكل المفصل الأساسي في مفاصل لبنان كدولة قابلة للعيش والإستمرار ؟


هذا السؤال يكاد يكون الوحيد الذي لا يمكن راهناً الإجابة عليه فالإستراتيجية الدفاعية الغائبة ماضياً وحاضراً تظل هي التحدي الأبرز لما تشكله من عنوان رئيسي لمستقبل لبنان كدولة لأنها من المفترض أن تكون هي البنيان الذي يحمي الدولة ومؤسساتها وشعبها وقوانينها وبالتالي دستورها .


تواجه لبنان تحديات كبيرة تبدو أكبر من قدرة طاولة الحوار على وضع أسس مواجهتها باتفاق وطني شامل .. فهذا البلد يواجه إسرائيل التي لا تزال تحتل جزءاً من أراضيه ويواجه الإرهاب الذي يجثم على حدوده وفي داخله أيضاً ويواجه انتشار السلاح ويواجه هاجس الفتنة الدائم  ويواجه أوضاع المخيمات الفلسطينية المدججة بالسلاح ويواجه الحرب السورية وتداعياتها عليه ودخول أطراف لبنانية فيها ويواجه مخيمات اللاجئين السوريين وما يستتبع ذلك من خطر ديمغرافي وحياتي .


إذا كان الخلاف مستحكماً بين الأطراف اللبنانية حول النفايات والكهرباء والإقتصاد والمعيشة فكيف سيكون الوضع عندما يكون هناك حوار (إذا انعقد) حول الإستراتيجية الدفاعية ؟ وباتت الخلافات واضحة بشأن مسألة الإستراتيجية الدفاعية وملحقاتها نظراً لانعكاس هذه الإستراتيجية على كل الأساس الذي تقوم عليه الدولة.


ومن أبرز عناوين الخلافات حول هذه الإستراتيجية :
_ خلافات على تمويل وتسليح الجيش ودعمه ومصادر التمويل
_ خلافات على حصرية قيام الجيش بالدفاع عن حدود لبنان ومواجهة أي خطر خارجي وكذلك حفظ الأمن في الداخل.


خلافات أساسية حول دور المقاومة .. هل هو دور تنتفي الحاجة إليه مع زوال الاحتلال الإسرائيلي أو استمراره بعد التحرير تحت مبرر الجهوزية الدائمة لحماية لبنان من أي عدوان مستقبلاً ؟


_ خلافات على العقيدة القتالية للجيش وتحت أي مسمى ووفق أية مبادئ وطنية ؟
_ خلافات على القاعدة التي أرساها حزب الله القائمة على مقولة الجيش والشعب والمقاومة وما هو دور الشعب أودور المقاومة وتحت أمرة من وما هو مستقبل سلاح المقاومة ؟
_ خلافات على قرار الحرب والسلم ومن يتخذه أو يحدده كخيار وطني استراتيجي في مواجهة أي تهديد خارجي .


وكل عنوان من هذه العناوين يشكل قضية بحد ذاته وكل قضية سينشأ خلاف كبير عليها في بلد لم يعد شعبه قادراً على التعايش مع الخلافات المستعصية التي تتحكم به .
وإذا كانت الكهرباء لا تزال من دون حل منذ أكثر من أربعين سنة ، وإذا كان ملف النفايات قد استغرق حتى الآن سنة كاملة ولم يجد له حلاً نهائياً وتتحكم به رؤوس الفساد وتخترع له الحلول المرحلية القائمة على المنافع المادية والسياسية ، وإذا كان انتخاب الرئيس لا يزال عرضة للمساومات منذ سنتين حتى كاد اللبنانيون يتعودون على العيش بدون رئيس ، فكيف سيكون الأمر عندما يعود المتحاورون إلى البند الأهم والأكبر وهو الإستراتيجية الدفاعية ؟
لم يواجه لبنان يوماً أزمة إلا وكان الحل يأتي من خارج الحدود وكل أزماته كانت ولا تزال انعكاساً لقضايا إقليمية رهن اللبنانيون أنفسهم لها حتى باتوا مواطنين من الدرجة الثانية ، أو بالأصح مواطنين لدول أخرى يعيشون في لبنان . وإلى أن يحين وقت أي حل ولو كان جزئياً سيظل مصير هذا البلد معلقاً على حبال المجهول .


في منتصف الستينات استدعى الرئيس اللبناني الراحل شارل حلو مجموعة من الصحافيين اللبنانيين إلى القصر الجمهوري وما أن دخل حلو إلى قاعة اللقاء حيث كان الصحافيون في انتظاره حتى بادرهم بالقول : أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان ..


 لخصت هذه الجملة الوضع في لبنان منذ الستينات وهو الإرتهان للخارج .. ومن حينها لم يتغير شيء إلا في وقت ونوعية الأزمات والقوى التي تتحكم بمصير البلد وكذلك القوى الإقليمية التي تقف وراءها .. والمطلوب دائما تنظيف الولاء للبلد أولاً قبل تنظيف هذا البلد من النفايات . 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها